يتحفظ المؤمنون من الكنائس الانجيلية الحرة من استخدام مصطلح "دين" او من تعريف انفسهم بأنهم "متديّنون". ويعود ذلك لأن الدين يُعرّف بكونه منظومة عقائد تُشتق منها سلوكيات وانماط تصرف ووصايا وانها تتميز بالطقوس والتقليد الكنسي الموروث والمكرر.
نظرا لايماننا بالتجديد الشخصي والولادة الجديدة وبعصمة كلمة الله والحرية التي بالمسيح، فاننا كانجيليين نرفض الطقسية والنظام الكنسي التقليدي.
ومن هنا نمتنع كانجيليين من استخدام لمصطلح "دين" ونستخدم بدله "الايمان" وبدل "المتديّن"، نستخدم "المؤمن"، "التلميذ"، "المسيحي" وغيرها.
لكن هل فعلا تخلو الحياة المسيحية الانجيلية من علامات التديّن؟ اظن ان الجواب على ذلك سلبي من الناحيتين: الخارجية الشكلية وللأسف ايضا من الناحية الجوهرية. بنظري تسللت انماط تديّن الى الكنائس الانجيلية وسأذكرها باقتضاب لتحفيزنا للتعمق بها.
من الناحية الشكلية للعبادة: اصبحت هناك انماط لخدمة العبادة والصلاة. فقوالب الكلام في الصلاة متشابهة ويتم ترديدها احياناً كثيرة بلغة متعارف عليها، حتى اصبحت دون معنى في عقل قائلها او المستمعين اليها. صحيح ان الترانيم منوعة وهناك حرية في اختيارها وترنيمها لكن اصبحت في احيان كثيرة ميكانيكية نرددها دون تعمق وتمعن في كلماتها ودون وقوف قائد التسبيح ودون وقوف العابد على المعاني العميقة المباركة لها.
من الناحية الجوهرية: وهي الأهم، فلقد تسلل التديّن لجوهر العبادة وفي كثير من الاحيان يقوم من حضر للعبادة بكل ما هو مطلوب ومتوقع في محاولة للاقتراب لله، فيرنم ويصلي ويستمع للكلمة. لكنه يفعل ذلك وقد نسى ان الاقتراب لله ليس عملية سحرية تحصل بعد القيام بطقوس متمثلة بحركات وتفوهات روتينية واحيانا ايضاً عاطفية. يظن من حضر للعبادة احيانا كثيرة انه كلما اتقنّا تلك الطقوس، كلما اقتربنا من الله او قُل- توحدنا بالله. لكن العبادة الحقيقة لا تتم دون توفر شروطها. للأسف اهملنا تلك الشروط وهي:
الامانة الشخصية والطهارة: "من يصعد الى جبل الرب ومن يقوم في موضع قدسه. الطاهر اليدين والنقي القلب الذي لم يحمل نفسه الى الباطل ولا حلف كذبا" مزمور 24: 3-4)
المصالحة :"فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت ان لاخيك شيئا عليك، فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب اولا اصطلح مع اخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك" (متى 5: 23-2)
الغفران: "ومتى وقفتم تصلون، فاغفروا ان كان لكم على احد شيء، لكي يغفر لكم ايضا ابوكم الذي في السماوات زلاتكم" مرقس 11: 25
الوقوف للعدل ونصرة المظلوم ممن حولنا :" تبسطون ايديكم استر عيني عنكم وان كثرتم الصلاة لا اسمع. ايديكم ملانة دما. اغتسلوا تنقوا اعزلوا شر افعالكم من امام عيني كفوا عن فعل الشر. تعلموا فعل الخير اطلبوا الحق انصفوا المظلوم اقضوا لليتيم حاموا عن الارملة" اشعياء 1: 15-18) وغيرها.
لقد ندر الحديث في كنائسنا عن الامور المطلوبة من المؤمن في حياته اليومية، من امانة في العمل وفي العلاقات مع الغير ومع السلطات وبما يختص بالمال والجنس والعائلة وغيرها وابقينا حديثنا "روحيا" لكنه في الواقع عديم القوة.
للاسف، ودون تعميم، لكن في كثير من الحالات اهملنا طلبات الرب المحددة اعلاه كشرط للعبادة الحقيقية وقفزنا رأسا للطقوس التى من المفروض ان توصلنا لحالة من النشوة الروحانية. دون توفر شروطها فهي عواطف وحركات وطقوس فارغة وغير مقبولة كما يقول الرب في الآيات المقتبسة اعلاه. لقد أصيب بعضنا بداء التديّن بمفهومه الانجيلي الجديد واهملنا ما تقوله كلمة الرب الحيّة عن العبادة الحقيقية بالروح والحق.
ليت الرب يرحمنا!