تأملات من العهد القديم: أبشالوم (2 صموئيل 13 – 18)
أبشالوم هو ابن داود ملك إسرائيل وابن الملكة معكة بنت تلماي ملك جشور. كان رجلا جميلا وممدوحا جدا من باطن قدمه حتى هامته. لم يكن فيه عيب ظاهر ولم يكن مثله في كل البلاد. وكان حكيما في الكلام وفي كسب قلوب الناس. فكان قاضيا يكسب ود الناس بسرعة. لم يطالب الآخرين بطاعته بل أسرع إلى الترحيب وتقبيل من تقدم إليه. وهكذا كسب قلوب كل الشعب في إسرائيل ودعمهم له. واستطاع أبشالوم أن يكون قائدا عسكريا ناجحا فاتخذ مركبة عسكرية وعسكرا من الرجال يسيرون قدامه. ولا شك أن الكثيرين اعتبروه الملك القادم بعد داود. وبالرغم من كل المؤهلات العظيمة افتقر أبشالوم إلى القلب الصحيح واستسلم للانتقام.
فعندما تصرف أمنون بنذالة واغتصب بوحشية ثامار أخت أبشالوم، حبس أبشالوم غضبه وقرر قتل أخيه. لم يطلب العدالة بل طلب الانتقام. لا شك أن داود لم يتعامل مع المشكلة بطريقة صحيحة. ولهذا سيطرت روح الانتقام على أبشالوم. وبعد تخطيط دام أكثر من سنتين اغتال أبشالوم أخاه أمنون وهرب إلى جده تلماي ملك جشور.
تدخل ابن عمته، يوآب بن صرويه، فعاد أبشالوم إلى أورشليم، ولكن اشترط الملك داود ألا يرى أبشالوم وجهه كل الأيام. لم يغفر أبشالوم لداود ولم يطلب وجه الله وحكمته في كيفية التعامل مع العلاقة المكسورة مع أبيه. وبالرغم من امكانياته الكبيرة لم يستثمر حكمته وعلاقاته في سبيل بناء علاقة صحيحة مع أبيه. وبدلا من ذلك، قرر أن يسلك طريق الانتقام. فخطط لمؤامرة ضد الملك وضد مسيح الرب داود. واستغل أبشالوم قدراته الكثيرة في مؤامرة احتاجت عدة سنوات من العمل الشاق.
ونجح أبشالوم في القيام بثورة ضد أبيه. ونجحت الثورة وسيطر ابن معكة على مملكة داود وأراق الكثير من الدماء. وهرب داود مذلولا من ابنه. لقد تمادى أبشالوم في الاستسلام لروح الانتقام فلم يكرم أباه بل سعى إلى إذلاله وقتله. وبعد أن سيطر على المملكة زنى مع نساء أبيه أمام جميع الشعب ليذل أباه ويثير الكراهية بدلا من بناء جسور المحبة.
لقد أخطأ أبشالوم بالاستسلام لروح الانتقام. وأخطأ بإذلال أبيه وأخطأ عندما زنى مع نساء الملك. وأخطأ ببث الكراهية والقتل بدلا من المحبة والسلام. فتصرف بعكس اسمه وبدلا من أن يكون أبا للسلام صار أبا للحرب. وبدلا من أن يجلس على كرسي الملك كابن له خسر حياته ورقد في القبر.
في كثير من المرات لا نستطيع أن نمنع ظلم الأشرار ولكننا نحن من يقرر كيف نرد على الشر. فهل نرد بالمؤامرات والخيانات والانتقام أم نختار طريقا مختلفا؟ هل نختار طريق أبشالوم أم طريق داود الذي بكى على أبشالوم وغفر للذين أذلوه وسعى أن ينشر السلام بدلا من الحرب. وصلى داود من كل قلبه (مزمور 3) مؤكدا أن الحماية والكرامة والخلاص عند الرب، ومن يلتجئ للرب سينتهي به المطاف في دائرة الخلاص والبركة، هو وكل شعبه.