تأملات من العهد القديم: كأس ماء من بيت لحم (2 صموئيل 23: 13 – 17)
كان داود مختبئا في مغارة مع رجاله. تمنى أن يرتاح إذ تعب من الحنين إلى موطنه الأصلي، بيت لحم. تذكر طفولته وغنمه وقصص كثيرة وتأوّه من أجل كأس ماء من بئر بيت لحم. فقد كلُ ماء آخر عذوبته في قلب داود. ونطق الرجل بما في قلبه في محضر الرجال قائلا: من يسقيني ماء من بئر بيت لحم التي عند الباب؟ كانت بيت لحم تحت سيطرة الفلشتيين. والباب هو باب المدينة حيث يلتقي الشعب ويتجمع الفقهاء والجنود والنساء. أنه المكان الأكثر اكتظاظا والأخطر. ولكنه أيضا المكان الذي نجد فيه مشتهى داود. إضافة إلى ذلك، استقرت كتيبة من الأعداء هناك.
كان شوق داود فرصة للبطولة وللصداقة وللشجاعة ولإظهار الولاء الكبير للملك. فمن يستطيع أن يدخل إلى أخطر الأماكن ليحضر البركات المطلوبة؟ ومن يكون مستعدا أن يخاطر بنفسه وحياته في سبيل مسيح الرب؟ تقدم ثلاثة من الرجال الأبطال للمهمة. أرادوا أن يقدموا الهدية التي يرغب بها الملك. سافر الرجال أكثر من 20 كيلومترا في كل اتجاه. وببراعة وبسالة احضروا الماء المطلوب. ولكن الملك رفض أن يشربه. اعتبر الملك أن الهدية المقدمة تليق بملك الملوك. إنها هدية تليق بالله. والموضوع أكثر من عذوبة مياه بيت لحم. إنه حلاوة الصداقة والشجاعة زمن الصعوبات. فعندما رأى داود ما فعله الرجال، لم يشأ أن يشرب الماء، بل قال: "حاشا لي يا رب أن أفعل ذلك! هذا دم الرجال الذين خاطروا بأنفسهم" (2 صم 23: 17).
لا ضير من اكرام بعضنا بعضا. ونحن نعيش في مجتمع نكرم فيه الضيف. وهذا حسن. ولا ضير من اكرام خدام الله الأمناء حتى لو تطلب الأمر التضحيات والمخاطرات. وهذا أيضا حسن. ولكن الأحسن والأفضل هو إكرام الله. سكب داود الماء أمام الله. وبهذا العمل قام داود بثلاثة أمور على الأقل.
أولا، أنكر نفسه وحنينه للماء البيتلحمي. وصلب رغبات النفس وأشواقها بالرغم من سهولة الوصول إلى مراده. فالماء أمامه ويستطيع الآن أن يشربه. ولكنه فضّل أن يقدمه لله.
ثانيا، ثمّن داود ما عمله الأبطال. وهكذا لم يعتبر نفسه أهم من الآخرين ولم يفكر أنه كرئيس يجب أن يخدمه الآخرين، بل فكرّ في المخاطر التي كابدها الأبطال. وقيّم حياتهم ومحبتهم. فارتفعت قيمة الهدية وتعالت التساؤلات في ذهن داود عن كيفية استخدام هدية بهذه القيمة العظيمة.
ثالثا، اعتبر داود أن الله وحده هو الذي يستحق هذه النوعية من الهدايا. فسكب الماء أمام الرب ليكرم الرب ويرّفعه أمام الجميع. وليقدم صداقته وبطولة أصدقائه هدية لله يرضى عنها ويباركها. وهكذا نتعلم من داود أن نكرم الله أولا وأن نثمن هدايا المحبة وأن نتعلم التضحية بالرغم من الحنين والأشواق. ما الماء الذي تشتهي أن تشربه؟ ما ثمنه؟ وهل أنت مستعد أن تمتنع عن الشرب وتقدمه لله تقدمة؟