تأملات من العهد القديم: تثبيت مملكة سليمان (1 ملوك 1 – 2)
شاخ داودُ وصار واضحاً أنَّ المملكةَ بحاجةٍ إلى ملك جديد. وطمعَ الكثيـرون في المُلك. وخطط أدونيا بن حجيث لاغتنام الفرصة والاستفادة من شيخوخة الملك ليسيطر على المملكة. فلقد أستأجر الرجال، ثمَّ أعد حفلة لتنصيبه ملكا دون علم أبيه. كان أبوه الملك داود وأمه حجيث. وتصدى ناثان النبي وآخرون لطمع أدونيا. واستطاعوا اقناع الملك داود أن يُعلن ابنه سليمان ملكا. فصار سليمان ابن بثشبع ملكا على كل إسرائيل. ولقد كانت مملكة سليمان مهددة من ثلاثة أشخاص: أدونيا بن حجيث، يوآب بن صرويه (ابن أخت داود)، وشمعي بن جيرا. يتميـز كل منهم بتهديد محدد ومختلف.
أولا، حاول أدونيا أن يبعد سليمان عن الحُكم ولم يدعوه إلى حفلة تنصيبه عندما فرض نفسه ملكا. يبدو أن أدونيا كان يعلم أن داود حلف لبثشبع أن يكون ابنها سليمان الملك القادم. والآن، بعد أن صار سليمان ملكا رسميا للملكة، فماذا سيعمل مع أخيه أدونيا الطامع في المُلك؟ لقد أعطى سليمان أدونيا فرصةً أخرى ليثبت حُسن النوايا. ولكن أدونيا لم يتغيّـر إذ أراد أن يأخذ ما لا يحق له. وطمع في الجلوس على كرسي المملكة. وسعى أدونيا إلى سلطة لا تحق له. فطلب من بثشبع أن تتوسط له ليتزوج أبيشج الشونمية التي كانت حاضنة الملك في شيخوخته (1 ملوك 1: 1 – 4). كانت تحضن الملك المُسن لئلا يُعاني من البـرد وهي زوجة داود بالرغم من عدم ممارستهما للعلاقة الجنسية. على أي حال، غضب سليمان إذ علم أن الطلب متجذر بنوايا سيئة يسعى من خلالها أدونيا لتحقيق مكاسب سياسية ولإحياء حلمه القديم وطمعه في الاستيلاء على المُلك. كان أدونيا تهديدا واضحا لثبات مملكة سليمان. ولهذا تخلّص سليمان منه ومن التهديد الذي سيدّمر مملكته. فلن تثبت المملكة ما دام صانع الثورات ومُحب سلطة الحكم ساكنا وسط الشعب.
ثانيا، أوصى داودُ ابنَه سليمانَ أن يتخلّص من يوآب بن صرويه. كان يوآبُ عسكريا سفّاحا إذ ذبح أبنيـرَ بن نيـر رئيس جيش شاول وذبح أيضاً عماسا بن يثـر رئيس جيش يهوذا. لم يميز يوآب بين وقت السلام ووقت الحرب وأباح الدماء في كل المواسم. ووقف مع أدونيا ضد سليمان. هو رجلٌ جبارٌ ذو إمكانيات كبيـرة، ولكنه ساند الفريق المقاوم للملك. وتخلص سليمان من يوآب، الرجل الذي لا يحفظ السلام ويثيـر الحرب ويبيح الدماء. فلن تعيش مملكته السلام ما دام صانعُ الحروب ساكناً وسط الشعب.
ثالثا، كان التهديد الثالث من شمعي بن جيـرا. عندما هرب داودُ من شاولَ لَعَنَ شمعي داودَ وأهانه (2 صم 16: 5 – 13). ولكنَّ داود لم يقتله. والتـزم شمعي بدعم الملك عندما كان الملك داود قويا، ولكنه تمادى على الملك زمن العوز والكرب. ولهذا وجوده وسط الشعب مثل وجود الأسد النائم الذي سيستيقظ عندما يفقد الملك سليمان القدرة على السيطرة على الأمور. طلب سليمان من شمعي ألا يغادر أورشليم. ولكن شمعي كسر عهد الملك ووصيته ليحافظ على مصالحه الخاصة. فقطع آخر شعرةَ صبرٍ عند سليمان. ولهذا تخلّص سليمانُ منه.
لن تثبت الخدمةُ ما دامت المنغصاتُ موجودةً. لقد تصرف سليمانُ بحكمة في فأزال التهديدات. ونواجه اليوم تهديدَ الذين يحبون السلطة وناشري الخصام وناقضي العهد. ولن تثبت المملكة دون معرفة دائرة السلطة لكل إنسان ودون نشر السلام ودون التمسك بعهد مشترك. ولهذا من الضروري أن تتمسك كنائسنا ومؤسساتنا بدستورٍ واضحٍ يجسّد العهد المشترك فنتخلص من تهديد شمعي بتمسكنا بعهد واضح يسود على كل أفراد الخدمة. ومن الضروري أيضا أن نزيل المخاصم ونستبدل نهج الخصومة بعقلية صنع السلام. فلنتخلص من يوآب صانع المشاكل. أضف إلى ذلك، من الضروري أن نتخلص من أدونيا لتثبت المملكة. فكيف نفعل ذلك؟ لا نقتل الآخرين ولا نتفرد بالحكم، بل نبدأ بقلوبنا. فنطهرها من حب الزعامة والسلطة غيـر الشرعية (أدونيا)، ومن وسائل المحاربة غير المسيحية (يوآب)، وتبريرات كسر العهود والمعايير السماوية (شمعي).