ركزت الكنائس الانجيلية الحرة على أنواعها وبحق على ضرورة اتخاد كل انسان لخطوة الايمان الشخصي بالمسيح وبعمله على الصليب للحصول على الخلاص. بهذا رفضت هي عقائد مضلّة شائعة للغاية مثل الخلاص بالأعمال وايضاً الخلاص بواسطة القيام بطقوس مختلفة وايضاً تناقل الايمان المسيحي بالوراثة. لقد اعتمدت هذه الكنائس على الحق الكتابي الذي أوضح ان رضى الرب وقبوله هو لمن يتخذ هذا القرار الشخصي.
وقد جاء هذا التعليم على عكس منحى الحياة الجماعية والأسرية في الشرق. فالعائلة المباشرة كما الموسعة والحمولة ذوي اهمية ومركزية. كما ان العلاقات والتفاعلات الاجتماعية بين الناس هي أساسية وحاسمة، وان خفّت في السنين الأخيرة بتأثير العصرنة والحداثة ومنحى الحياة الغربي الفردي. فانت لست فردياً ولوحدك وانما جزء من عائلة وقراراتك تؤثر على عائلتك وقرارات العائلة تؤثر عليك.
لكن هذا التنافر لم يقتصر على عقيدة الايمان الشخصي بل تعداها الى النظام الكنسي المتبع في الكنائس الانجيلية الحرة. فهو نظام افقي يتميز بالمرونة فكل كنيسة محلية مستقلة وتدير شؤونها بنفسها وتربطها علاقات عامة للشركة والارساليات مع كنائس من ذات العقيدة فقط. لا سلطة هرمية على الكنائس الانجيلية الحرة ولا فيها وهذا يتناقض ايضاً مع ما هو متبع في شرقنا من أنظمة هرمية في الحكومات والمؤسسات والكنائس التاريخية. وبدل هذا النظام يفترض ان الكنيسة المحلية تتبع لنظام داخلي ودستور ينظم عملها وأما راعيها فيخضع لمجموعة من الشيوخ. بدون ذلك تحل الفوضى وتتشتت الجهود وتدب النزاعات في الكنائس وبالذات بوجود كنائس صغيرة العدد وحديثة العهد.
من هنا فان طريق الخلاص الكتابية المتبعة في الكنائس الانجيلية الحرة هي فردية بامتياز اما طريقة الحياة الكنسية فهي جماعية منظمة بانعدام نظام هرمي. الاثنتان مناقضتان لروح الشرق، كل من زاوية، مما يصعّب على خدمة الكنيسة الانجيلية الحرة الشرقية.
لقد ثابرت الكنيسة الانجيلية الحرة في الشرق منذ عشرات السنين على تقديم رسالة الانجيل ورسخت العقيدة الكتابية التي تنادي بالايمان الشخصي والخلاص بالنعمة فيها ولا تشوب هذه العقيدة أي شائبة ولا تنافسها أخرى على الأقل في الأوساط الانجيلية.
لكن الامر مختلف فيما يتعلق بالنظام الكنسي. فالميل البشري هو للانفراد بالسلطة والخلفية الشرقية الابوية والهرمية اضافت زخماً الى هذا الميل. فبقى الميل للحكم الفردي صامداً امام النظام الكتابي الذي يحتم تنظيم الكنيسة وتفعيل مرجعيات للخادمين فيها. بكلمات أخرى- تخلصت الكنيسة الانجيلية الحرة من نير القيادة الروحية الهرمية لكنها استبدلتها بحركة عشوائية استخدمت انصاف مبادئ كتابية وتطبيق جزئي لها. للأسف انتج العجز والاعاقة الروحيين فوضى تنظيمية. لا يمكن فصل الواحدة عن الأخرى: الصحة الروحية تنتج صحة تنظيمية. لقد افترضت الكنائس ان العمل "بالروح" او "بالنعمة" و"على البركة" هو الحل. لكن هذه التعابير الروحية هي حجج لعدم الانصياع لدستور ولتنظيم العمل الكنسي. فهذه التعابير عامة وخاضعة لتفاسير مختلفة. لقد وضع الرب نظاماً كتابيا وتعريفاً لعمل الرعاة والشيوخ والشمامسة ومبادئ للتعامل ويتوجب ترجمتها وصهرها في دستور وأنظمة مناسبة لكل كنيسة. كما انه من الضروري تطبيق هذه المبادئ التي تحافظ على الشفافية بحذافيرها مما يضمن المرجعية في العمل. فيتوجب تطبيق مبادئ الإدارة الصحيحة التي تسري على الجمعيات في الدول المتنورة في الكنائس ايضاً. هل نطبق المبادئ التالية في كنائسنا وهيئاتنا: مبادئ تضارب المصالح، مبادئ تقييم عمل الخدمة بصراحة وحرية، مبدأ منع تشغيل الاقرباء، مبادئ النظام المالي الصحيح امام سلطة الضرائب وسلطات منع تبييض الأموال وغيرها الكثير.
ايعقل ان تكون الهيئات العالمية اعلى مستوى شفافية ونظافة يد وترتيب من كنيسة الرب نفسه؟
حري بكل كنيسة ان تضع أنظمة واضحة تناسب طبيعتها وشعبها وتتوخى مستوى مرتفع من تطبيق تلك الأنظمة بحذافيرها. كما يتوجب ان تتشكل اجسام داخلية مستقلة للتأكد من تطبيق الأنظمة ومتابعة المخالفين لها. عند ذلك لا تتعطل الخدمة بسبب الفوضى العارمة والخلافات التي تنبع من تجاهل الأنظمة (اذا وجدت أصلا) بل تنطلق الكنيسة وقد اتسمت بالشفافية والبنية التحتية المتينة المتحولة لقوة داخلية بالروح القدس لتؤدي الأمانة وتطبق رسالتها.