كفرمندا،كفركنا، طرعان، قلنسوة، الطيرة...
انها قرى وبلدات يشار لها بالبنان ولكن ما المشترك بينها؟ لقد اصابها فيروس التهديد والوعيد والعنف والبلطجية والبطش والاذى في انتخابات المجالس المحلية الاخيرة في البلاد.
اشتعلت العصبية القبلية الحمائلية في هذه البلدات وغيرها فاصطف الشباب بالعصي والهراوات والسكاكين والحجارة والبلطات ليهاجموا بها ابناء بلدهم الذين صادف كونهم ينتمون لعائلة اخرى وبالتالي يدعمون قائمة انتخابية مغايرة
. لقد اجتمعت اسباب عديدة لتفسر استفحال ظاهرة العنف مثل حالة الرخاء العامة لعرب البلاد والتي لم يرافقها تهذيب ورقي وانما غنى نسبي وبَطَر يرافقهما كبرياء وعنجهية. وقد واكب ذلك تلاشي الوطنية الحقيقية (تلك التي تحب الناس وتسعى لخيرهم وليس اطلاق الشعارات الجوفاء) لصالح الانانية واللهاث وراء المصالح الضيقة. كما ان لإهمال الشرطة المتعمد في تطبيق القانون دور مركزي في حالة التسيّب دون رادع.
ويخيم على كل ذلك ان عرب البلاد يعانون أصلاً من شعور الرفض كاقلية قومية مهمشة في البلاد وكطابور خامس ومتعاونين كما يروننا في البلدان العربية المجاورة. هذا الشعور بالضيق النفسي وايضا الجغرافي المتمثل بازدحام القرى والبلدات اثر سياسة ممنهجة لا يترك مجالاً الا للكبت. وهكذا يعتبر كثيرون انتخابات المجالس المحلية بمثابة ضالتهم المنشودة ومصدر للتوظيف والمناقصات المحبوكة لدر الموارد المالية الضخمة للجيوب الخاصة.
ولكن كل هذا ما كان ليتم دون تردي القيم والاخلاق وهي عملية تدريجية بطيئة نرى نتائجها بوضوح اليوم. لقد وضِعت بذار هذا التهاوي للقيم بعد ان كوّن البشر لهم عقيدة بديلة تسللت لمناحي الحياة المختلفة وهي النسبية. وبحسب هذه العقيدة العصرية والشعبية للغاية، ما يناسبك لا يناسبني بالضرورة. ما تعتبره انت خطية هو ليس كذلك بالنسبة لي. فالكل نسبي ويتعلق بحرية كل شخص ان يعرّفه بالطريقة التي يرغبها. لقد استمر التهاوي بسبب الرفض الواعي تارة واللاواعي احيانا اخرى لجوهر الايمان. ولا اقصد هنا الدين بمفهومه التقليدي والمتمثل بشرائع وواجبات واحيانا كثيرة باقصاء الآخر، ولكني اقصد المعنى الروحاني العميق للايمان والذي يرى الانسان كخليقة الله، ومن هنا كمستحق التقدير والاحترام والذود عنه. انه الايمان الذي يترجم العلاقة المرغوبة مع الله الى محبة وخير وخدمة للقريب (وقد يكون هذا القريب هو عدو او ابن لقومية اخرى وحتى ابن...حمولة اخرى!). ان هذا التديّن هو في احيانا كثيرة سبب البلوى والطائفية والاستقطاب. ان التديّن الاجوف يسعى لستر الحاجة لاحتضان الايمان الحقيقي. انه بمثابة صورة مزيفة له. انه التقليد الفاشل والكاذب للايمان النقي المصفى كالذهب. ما يميّز الايمان الحقيقي ان مصدره وهدفه هو الاله القائم من الازل الى الابد وغير المتغير. فمن هنا تكون القيم التي تصدر عنه ثابتة وراسخة ولا تتقلب بتغيّر الاحوال.
من يركز نظره الى ذلك الايمان الحقيقي النقي والثابت كالصخر وفي صخر الدهور نفسه سيكون نقياً وثابتا وستملأه اخلاق ذلك الاله الثابت في محبته وصلاحه