افرزت الانتخابات الاخيرة في الناصرة تحليلا حول الفئات المجتمعية التي دعمت كل من المتنافسين. لم يكن الاصطفاف الجماهيري مع كل متنافس حاراتي ولا على اساس ديني . لكن البعض وصفها كصراع بين المتعلمين او المثقفين او النخبة او حتى أكلي السوشي مقابل الشعب الكادح البسيط من آكلي الرز ولبن. وللآسف استخدمت تعابير استعلائية مهينة في وصف الفئة الثانية لن نذكرها هنا.
تساءلت كيف يتوجب بالمؤمن ان يتصرف في تفاعلاته الاجتماعية وعلاقاته مع الناس على ضوء النقاش الدائر حول انواع الناس كما جاء آنفا. هل يتوجب ان يكون المؤمن "شعبياً" ام ان يصبو للتعامل اساساً مع الفئة "الراقية"؟
والسؤال الذي يُطرح هنا هو: ما هو هذا الرقي ؟ ما هي المقاييس التي نقرر بحسبها ان هذه الفئة او تلك راقية؟طبعا هناك مقاييس موضوعية مثل مستوى التعليم او الاطلاع الثقافي وهذه قد تساهم في خلق مواطن افضل مستواه الفكري افضل. لكن هذا لا يعني بالضرورة انه افضل او فعلا ارقى. وهناك طبعا مقياس المال وهذا لا يعني ان الانسان الاغنى هو بالضرورة "ارقى". فقد يكون غنياً لكنه انسان سخيف ولا يخدم شعبه ويتصرف بغرائزه.
باعتقادي، الرقي هو التواضع، المعرفة والاخلاق. التواضع تعني عدم الانتفاخ واستخدام المنصب او المكانة للحصول على امتيازات او اشباع غرور. اما المعرفة فتعني فهم عام لامور الثقافة والادب والاديان والسياسة والمجتمع. اما الاخلاق فتشمل تعامل متساوي مع الناس والتميّز بالامانة والصدق وحب الناس وطلب الخير العام.
استوقفني سؤال حول طبيعة مثالنا الاعلى يسوع وكيف تميزت خدمته وقيادته لجموع كثيرة خلال سنين حياته.لا شك انه كان نموذجًا للرقي. فقد اعطى مثالا في التواضع اذ ترك امجاد السماء واخلى نفسه صائرا في شبه الناس.
تعامل مع البسطاء وتحدث لغتهم واحبهم. لقد اتى لارض الشقاء تاركا غنى السماء ودافعه الوحيد هو المحبة. كما انه صاحب كل معرفة وحكمة وكلامه حي ولا تسقط منه كلمة. لقد علم يسوع يقينا كل علوم الارض وعرف مكنونات البشر وعلت افكاره عن افكار البشر. لقد حاجج الفريسيين ذوي العلم وافحمهم. لقد تفوه بعبارات خالدة ما زال البشر حتى يومنا يدرسونها ويسعون لادراك معناها. ويسوع هو ايضا صاحب الاخلاق الكاملة. فهو المعيار الذي تقاس به الاخلاق. لم يفرض هو ارادته على البشر وامتنع عن احراجهم في تعاملاته معهم . لم يحرج المرأة السامرية امام الجميع عند البئر ولم يكافشها حول معرفته بحقيقتها مع انه عرف اسرارها الدفينة وانما استدرجها وجعلها تعترف هي بحقيقتها المرّة. تحلى يسوع ليس فقط بميزة الاداب وانما بجوهر الاخلاق فهو الامين والصادق والمحب .
يريدنا الرب ان نكون مثله نعامل كل الناس بعيدا عن الاستعلاء او البر الذاتي الاجتماعي او حتى الروحي. ولكنه ايضا لا يريدنا سطحيين او سخيفين فهو يريدنا ان ندرس ونعرف ونجتهد لنتيقن من اسرار الحياة ولنكن حاضرين للتعامل معها بحسب مشيئته، عن فهم ودراية.