تأملات من العهد القديم: المشورة والقيادة في حياة رحبعام بن سليمان (1 ملوك 12)
مات سليمان الحكيم وجلس ابنه رحبعام على العرش. ثم تقدم الشعب ليتحدثوا عن طبيعة العلاقة بين القائد وشعبه. وطالب الشعب ببعض التسهيلات وبتغيير سياسة المطالب الكثيرة لاسيما في ضوء بداية عصر جديد وحاكم جديد. فطلب الملك ثلاثة أيام للتفكير وللمشورة. وعندما تشاور مع الفهماء والحكماء بيّنوا له أن العلاقة الصحيحة بين القائد والشعب مبنية على خدمة القائد لشعبه وليس على تسلطه. فقالوا له: "إن صرت اليوم عبدا لهذا الشعب وخدمتهم وكلمتهم كلاما حسنا، يكونون لك عبيدا كل الأيام" (1 مل 12: 7). يا لها من مشورة حكيمة تبين أن القيادة الصحيحة تجعل الملك عبدا دون أن تلغي مُلكه وتحوّل المخدوم إلى خادم دون أن تلغي الالتزامات نحوه. وتُظهر أن التعامل مع هموم الناس وتثقلهم يبدأ بالكلام الحسن وليس بالمطالبة بالتزاماتهم أو بالتسلط عليهم.
أخطأ الملك عندما لم يتجاوب بسرعة مع حكمة السماء بل ترك مشورة الشيوخ الذين استقوا الحكمة الإلهية وتذوتت فيهم القيم السماوية. وطلب الملك مشورة الأحداث الذين افتقروا إلى الحكمة الإلهية. فنصحه الأحداث أن يقول: "خنصري أغلظ من متني أبي" (1 مل 12: 10). وأضافوا أنه يجب زيادة الأثقال والالتزامات والمطالبة بها حتى ولو كان بالسياط والعقارب. كانت مشورة الأحداث وقحة في تعبيرها. فنصها الأصلي هو: "صغيري أغلظ من متني أبي" (קטני עבה ממתני אבי). وكلمة صغيري قد تُفهم بمعنى جنسي وانتهاكي (BHS: A Reader’s Edition, 616). وكأن الملك يريد أن يغتصب الحقوق بالقوة. وكانت مشور الأحداث مُغلّفة بالتهديد والتخويف. وهي مشورة قد تحقق الطاعة بسبب الخوف ولكنها لن تجلب المحبة بين القائد وشعبه.
يخطئ القادة عندما يشددون على سلطتهم بالتهديد والتخويف. ويزداد الضلال عن الحق عندما تتحول السلطة إلى تسلط وعندما يفهم القائد هموم الناس واستثقالهم في دائرة الانقلاب والثورة. ويخطئ القادة عندما يهملون الحكماء الذين وضعهم الله في طريقهم. فيجب اكرام هؤلاء الحكماء بالقول والفعل وعدم إهمال مشورتهم لئلا تكون النتيجة مؤلمة للجميع. فشل رحبعام في قيادته للشعب ففقد قسما كبيـرا من مملكته ودخلت الكراهية إلى صفوف الشعب بدلا من أن تسود المحبة. وساد العداء بدلا من المودة. والآن واليوم ما زال الشعب يطالب بالكثير من الأمور فكيف سيكون ردنا كقادة؟