تأملات من العهد القديم: آخاب ونابوت (1 ملوك 21)
كان آخابُ ملكاً على يسرإيل. ولقد أعطاه اللهُ الكثيرَ من الممتلكات والبركات، لكنّه لا يشبع ولا يكتفي بما عنده. أرادَ آخابُ أن يحصل على المزيد من الملذات والتنعمات. ففكّر في توسيع أرضه وزيادة محاصيله. لقد تعامل مع الأرض، من منظورٍ اقتصادي واستعماري، متناسيا قيمتها الدينية ودعوتها الإلهية واختيارها أن تكون أرضَ القداسة والسلام.
وكان آخابُ جاراً جائراً طمّاعاً. فبدلا من حُسن الجوار، طمع في جاره نابوت وفي أرضه. فذهب الملك، صاحب الجيش ورئيس البلاد، إلى جاره نابوت طالبا منه بيع أرض آبائه وأجداده. خيّره بين أكثر من احتمال، ولكن كلّ الاحتمالات تنتهي بفقدانه لأرضه. رفض نابوت الانصياعَ لضغوطات الملك وللسلطة السياسية. وقرر أن يتمسك بأرضه وتراثه وميراثه مهما كان الثمن. تحلى بالشجاعة وتمسك بهويته وبتراثه وبحقه وبأرضه.
ولهذا صار آخابُ رجلاً مهموماً. فكيف يرتاح الظالمُ ما دام أهل الحق متمسكين بحقهم؟ وكيف يستريح الحاكمُ المستبدُ ما دام القوم يواجهون الخوف بالشجاعة والظلم بالحق والتهديد بالتمسك بميراث الأجداد. نظر نابوت إلى الله وعلم أن إرادة الله تكمن بتمسكه بأرض أجداده وأرضه وبجعل هذه الأرض بركة لمن حوله وللأجيال القادمة. وعندما كان آخابُ مستلقياً على فراشه ومحروماً من طعامه بسبب غمّه أغوته زوجتُهُ إيزابل.
فتطور الطمعُ إلى شرٍ أعظم. وقرر آخابُ أن يشترك في مؤامرةٍ ضد نابوت وأن يتخلّص منه إلى الأبد. فكتبت زوجته، نيابة عنه وبموافقته، قرارَ إعدام نابوت وأرسلته إلى الشيوخ والنبلاء. اضطر آخاب أن يكذب فيتهم نابوت زوراً أنه لعن الله والملك. وكانت الكذبةُ مدروسةً لاسيّما في نصها الأصلي. فالكلمة لعن تعني أيضا بارك (ברך). واحضروا شهود الزور، وما أكثرهم. وهكذا التفت حبالُ الموت حول عنق نابوت لأنّه قاوم شر الملك. ودفع نابوتُ ثمناً باهظاً عندما وقف في وجه الحاكم الظالم.
وحصل الملك على مراده وسقط بشر الطمع والكذب وشهادة الزور والقتل. ونسي الملك أن الله يرى كل شيء وأنه القاضي العادل الذي لن يترك الظلمَ سيداً والشرَ طليقاَ. وأرسل الله إيليا النّبي ليعلن لآخاب أن شره مكشوفٌ ومفضوحٌ وأنّ عقابَه قادمٌ. وكرَّم موقفُ إيليا اسمَ نابوت وموقفَه وسمعةَ بيته.
تشبه قصة نابوت الكثير من القصص في بلادنا لاسيما في ضوء سرقة الأراضي وانتشار الكذب وتلفيق الأدلة في سبيل تحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية. وينتشر في زمننا الاستبداد السياسي واستغلال السلطة بهدف مصلحة الحكام والأقوياء. ولكنها بالرغم من مآساة قتل نابوت إلا أن القصة تشجعنا أن نتشبه بنابوت وليس بآخاب. وتذكرنا أن الله معنا في وجه الظلم. وتشجعنا أن نصبح مثل إيليا نكرز بالحق حتى في وجه الحاكم الظالم. وبسبب أمانة نابوت وإيليا تاب آخاب فمزق ثيابه ولبس المسوح وتذلل أمام الرب. وهكذا توقف شره وظهر بر الله وعدله.