طالعتنا الصحف عما دار على متن الطائرة الاسرائيلية المقلعة من نيويورك الى تل ابيب والتابعة لشركة ال عال. نظراً للطقس القاسي من تساقط الثلوج في نيويورك، فقد تأخر اقلاع الطائرة يوم الجمعة. وقد قرر قبطان الطائرة بالتشاور مع المسؤولين ان يقلع ايقاناً انه سيلحق الهبوط في تل ابيب قبل دخول السبت. ولكن الركاب هاجوا وماجوا ولم يقبلوا في البداية ان تنطلق الطائرة لحسابهم لوقت السفر ووقت دخول السبت، وقامت موجة من الاعتراضات متمثلة بالشتائم والصراخ والهجوم الارعن من المسافرين المتدينين تجاه المضيفات. وقد حاول بعض الركاب اقتحام كابينة القبطان والطيارين احتجاجاً على نية الطيران. بعد ان هدأوا، أقلعت الطائرة بتأخير إضافي وهنا لم يعد ممكناً الوصول لتل ابيب قبل دخول السبت...!
وقد رضخت شركة ال عال للمسافرين المنفلتين العنيفين وهبطت في أثينا لكي يتسنى للمسافرين الذين يريدون ذلك البقاء هناك خلال السبت لئلا يكسروا السبت (وكأنهم بزعرنتهم واعتدائهم ما كسروا شرائع الله) وليتمكنوا اعادتهم للبلاد بعدما يخرج السبت. اما باقي الركاب فيتم تسفيرهم الى تل ابيب خلال السبت في طائرة أخرى من شركة طيران مختلفة.
وعند قراءة قصة هذه الرحلة الجوية المتعثرة لا يسع المرء الا ان يتساءل-هل كان هذا قصد الرب عندما وضع الشرائع والقوانين المختصة بالسبت؟ طبعاً لا.
كما نتيقن ان محاربة الرب للتطبيق الحرفي الناموسي لقوانين السبت في وقتها كان في مكانه. لقد طغى الفرض الحرفي القاسي على أي مبدأ للمحبة والاحسان والرحمة. أوضح لهم الرب ان "السبت انما جُعل لأجل الانسان لا الانسان لأجل السبت" (مرقس 2: 25). لقد قلبوا الموازين وطبقوا قانون السبت بحذافيره متغافلين عن قصده في راحة الانسان وسلام نفسه وجسده ومتجاهلين ضرورة كسره حين تتصادم شريعته مع الرحمة والخير والمحبة للغير.
لقد الغى الرب نظام الناموس واستبدله بناموس المحبة. لقد تحررنا من نير القوانين والنواميس الطقسية والأدبية ولكن استبدلها الرب بقانون المحبة العام
لكن هذا الميل للالتصاق بالحرف والقانون الديني بدل قانون المحبة والرحمة، يبقى مستمراً حتى في العهد الجديد. نتمسك بالتقليد او العادة الكنسية او ما نعتبره قانوناً روحياً مثل اللباس الديني او شكل كأس العشاء الرباني او شكل كراسي الكنيسة او حتى طريقة الصلاة وتعابيرها.
للأسف فان أي حيدان عن تلك التعابير الإنسانية يعتبر ضرب من المحال وامر في قمة الخطورة.
بهذا الميل للتمسك بالقشور والقوانين نعلن على الملأ ان الله تهمه عاداتنا وقوانيننا فوق الانسان. وكأن بنا نقول ان المسيح مات لأجل الشريعة. وكأننا نقول ان الهنا-المجد لأسمه- صغير ويشترك معنا في عراكنا الديني الطائفي او انه تهمه القشور فوق الجوهر! وحاشا له ذلك!
كما ان اهتمام من يُعتبرون تابعين للمسيح بهذه القشور والعراك حولها هو سبب لتسخيف الناس لهم وللأسف ايضاً لاستخفافهم بربهم. فلسان حالهم يقول: اذا كان فعلا هذا ما يطلبه الههم منهم ويتعاركون في القشور، فابعدني عنهم وعن الههم!
ان الناس تبحث عن المعنى العميق والحقيقي الأصيل للحياة ويميزون الغث من السمين ويريدون الالتصاق بالاخير.
يا ليتنا نساعدهم على ذلك.