احد اسباب الصراعات والحروبات بين الافراد والجماعات هو الشعور او القناعة بالاستحقاق. اطالب بحق او بشئ لاني مستحق، لأنه "بيطلع لي"، لانه "حقي"...
مثلان على هذه الظاهرة:
الاولى- اخوة يصلون حالة عداء لان احد الاخوة يطالب بحق اكبر من التركة لانه خدم اهله منفردا قبل وفاتهم مما "يؤهله" بحسب ظنه لحصة اكبر بينما اخوته لا يشاطرونه الرأي ويعتبرون ما قدمه بمثابة فضيلة قام بها ليس لكي ينتقص من حصتهم ويزيد من حصته.
الثانية، الرجل يؤمن انه مستحق لمعاملة طيبة ووجبة سخنة يوميا بينما زوجته تؤمن انها تستحق اعتبار وشكر منه على عملها الشق في البيت وخارجه وقبول زوجها لوجبات بائته. فرق التوقعات يخلق هوة وخلاف وتعقيد.هذه الظاهرة مؤسسة على مطالبة "بحقوق" واصرار عليها رغم هشاشة اساس تلك الحقوق الافتراضية.انها "حقوق" لم تُبنَ على اتفاق او قانون وانما على مبدأ او فهم بحسب عقلية المُطالِب "المستحق" واحيانا تكون طلبات الاستحقاق وليدة مصالح آنية او جشع.
ومقابل هذه الروح المتميزة بالجحود والطمع نجد ان موضوع الحقوق في المجتمع المدني يرتبط بقيمة الانسان كما اعلنها الرب، ومن هنا لا بأس من المطالبة بها بالوسائل السلمية. فاعطاء الحقوق بعدل هو ارساء المساواة بعينها كما اراد لها الرب ان تكون.
كيف نفصل بين شعور الاستحقاق غير المبرر لبين مطالبة طبيعية للحقوق، لئلا نقع في فخ الاولى او نخسر نعمة مطالبتنا بالثاني؟ هل ننادي بعدم المطالبة بحق على الاطلاق لئلا نقع في مطب روح الاستحقاق؟ان روح "الاستحقاق" هي نفسها التي ترفض احتمال توفر خلاص للبشر عن طريق نعمة الله المجانية. ان مناصري هذا الفكر يصرون على عمل "الصالحات" لكي ينالوا رضى الله وعلى رجاء الحصول على خلاصه اذا فاقت "صالحاتهم" طوالحهم.
اما على الصعيد الشخصي اليومي ، فان حاملي روح الاستحقاق ، وهم كثر، اجمالا ليسوا اناسا ممتنين على نعمه الله وبركاته ولكنهم متذمرون ويطلبون المزيد والمزيد فهم "مستحقون" لها ولا من مجيب.
اما الروح الرافضة للحقوق والتي يتحلى حامولوها بانهم على الاقل لا يأبهون بها ولا يولونها اهمية فهي تكرس روح الانظمة دكتاتورية، حكومية كانت او مؤسساتية، فانها تكرس روح الخمول والاذعان والاستسلام. انها الروح التي يفضلها كثير من القادة. فهي تسمح لهم بتأكيد وتجذير مراكزهم دون رقيب او منازع ولا اي نوع من المساءلة.
انها روح منسحبة من العالم فلا تفطن ولا تأبه بتغيير النظام السائد رغم جوره.
انه صراع بين فكرين متنافرين يحملان حق فيهما ولكن قد يساء استعمال كل واحد منهما ولكن ابطال الواحد على حق الآخر، فيه خسارة. هذا الصراع يُحسم فقط باجراء توازن دقيق وتطبيق حذر للفكرين.
روح المطالبة والاستحقاق يجب ان تتحدد بالمطالب العادلة والقانونية بحسب كل منطق بشري صحيح. يتوجب فحصها بتدقيق تحت مجهر ما يقوله الرب نفسه: يتم ذلك بالصلاة والدراسة والتأمل ومشاورةالحكماء ممن دمجوا الروحانية بالمعرفة والتمييز.