اثلجت صدورنا التقارير التي نشرت مؤخرا عن الازدياد الملحوظ في نسب خريجي الجامعات من كل الالقاب من عرب البلاد. بذات الوقت نشهد عنفاً غير مسبوق في بلداتنا العربية ابتداء من الجش الوادعة في الشمال وحتى قرى البدو في النقب. هنا حرق للمجلس المحلي وهنا تكسير لسيارة وهنا ضرب مبرح لناشط من فئة منافسة، هنا قتل لفتاة وهنا رمي قنبلة على عرض مسرحي وغيرها.
كيف يستوي هذا التقدم العلمي الفردي مع ذلك التدهور في الامان في بلداتنا؟ اليس من المفروض ان العلم يشكل رافعة لرقي باقي المجتمع؟ اليس من المفروض ان يهذب العلم الافراد الذي ينهون تعليمهم العالي وان هؤلاء (وكثير منهم من قادة المجتمع) يرفعون معهم باقي المجتمع؟
لا انكر وجود عناصر اخرى تعطل المعادلة التي نفترضها حول ازدياد الرقي العام بارتفاع نسب المتعلمين. فاحيانا كثيرة يسيطر الاقل علماً على المجتمعات لأن اغلب الشعب يتماثل مع قادة من ذات نوعه. عنصر معطل آخر هو انه احيانا تتداخل ايادي خفية خارجية لتمنع تقدم المتعلمين لقيادة بلداتنا لغرض في نفس يعقوب. يريدوننا حطابين وسقائي ماء ولا تتحقق امنيتهم دون ان يقودننا حطابين وسقائي ماء. يظنون انه بوحود قيادة متعلمة سيتقدم العرب ويزيد وعيهم وحسهم الوطني اذ سيعرفون ويقدرّون تاريخهم وتراثهم ولغتهم وهم لا محالة سيتمسكون بها وسيزيد اعتزازهم بها. كل ذلك مع العلم ان كثيرون ممن لم تسنح لهم فرصة التعلم قد نهلوا من نهر معرفة تاريخهم وشربوا من محبة الانسان والارض.
ولكني ارغب في هذا المقال ان اتحدى فرضية رقى الشعوب بزيادة علمها وان اتساءل حيال ذلك التعليم الذي حصل عليه المتخرجون لافحص هل هو فعلا يقود لرقي وتهذيب واخلاق.
تكون احيانا مادة التعليم العلمي حشواً للمادة التقنية في مجال مهني معين دون اي "روح" للمواد المتعلمة. انها مجرد فصول في علم الجيولوجيا او الآثار او الهندسة الالكترونية ودون اي خميرة من القيم العليا.كما انه تبنى احيانا كثير من النظريات العلمية والمواد التقنية المشتقة منها على اساس الحادي او انها تُعلّم من اساتذة ملحدين. وحيث بزغ الالحاد ، فقَد فُقِد المعيار ومعها القيم. فدون الله، ليس هناك واضع للقيمة عن الانسان وليس هناك من يضع المقياس للبشر. بانعدام المقياس، يسود قانون البقاء للافضل، وهو شبيه بقانون الغاب.
لا ادّعي ان احتضان الجهل هو مطلبنا، ولكني اشير الى ان الالقاب العلمية لا تعني بالضرورة ازدياد الرقي والاحترام وقيم التعاضد الاجتماعي على مساربها.
من جهة اخرى حذر الكتاب المقدس من الانتفاخ الذي قد يصيب من يزداد علماً مقابل المحبة التي تبني (1 كو 8: 1). وهكذا فان المفروض ان الفهم الافضل لنواحي الحياة العملية ، و هو ما يحدث في مؤسسات التعليم العالي، يقود الفاهمين الى تعاطف مع المختلفين. انه ايضا يضع اماناً في نفوسهم في خضم تحديات مجتمعنا المأزوم والمعاق. والفاهم الآمن في نفسه هو من يحب ولا يجعل العلم منفاخا لكبريائه. ان حشو مواد علمية او ادبية تخلو من اي ضوء على فهم افضل للانسان، سيضيف اناساً ذوي عقولا اكبر ولكن نفوسهم وقلوبهم صغيرة . واصحاب القلوب الصغيرة ينفثون كراهية وتحزب ولن يجديهم اي علم او لقب.