حين تطلب من مؤمن امين ومدقق للانجيل ان يشارك بمعنى الميلاد فانه يسعى لربطه بالصليب. فالمسيح جاء لارضنا بهدف الوصول للصليب لأجل غرضه الاعظم وهو فداء البشرية. وهذا بالفعل حق.
بهذا المفهوم معنى الميلاد مرتبط بفعل آخر ، هو موت الصليب، ولكن هل له معانٍ من نفسه؟
اعتقد ان اهم تلك المفاهيم التي كثيرا ما نهملها هو التجسد. الله صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملؤاً نعمة وحقاً.
ما هي دروسنا في هذا الموسم من تجسد الله على هيئة طفل يولد في مدينة صغيرة في مذود حقير في بيت لحم:
1-التجسد هو لمسة تواصل وحب بين الارض والسماء. ارض الشقاء تئن من هول الخطية التي افرزت حروبات وكراهية وسفك دماء، ولكن يد الاله تمتد لتلمس يد الانسان. انه عمانوئيل، الله معنا. يا له من زائر كريم وطأت رجلاه وجه البسيطة.خالق الكون يزور الارض ليفتدي اجمل واثمن ما صنعته يداه: الانسان.
2. جانب آخر للتجسد هو صوت يهز الاركان بعد الصمت. خيّم سكون وسكوت الهي لأكثر من اربعمائة عام. وقد يقول قائل انه ابلغ صمت في التاريخ! انه صمت مدوي. كيف يصمت الله في تعاملاته مع بني البشر؟ لقد ارسل انبياءه لآلاف السنين وتكلم من خلالهم عسى شعبه يعود اليه، ولكنه يصمت الآن وكأنه يئس من البشر. ولكن هذا الصمت المدوي لا يُقارَن بصوت الله المجلجل الذي كلمنا في هذه الايام الاخيرة بابنه. انها البشارة التي انتظرتها الامم. انه ابن الله نفسه الذي تجسد.
3- التجسد هو قمة التواضع. لم ولن يتضع احد بهذا الشكل طيلة التاريخ البشري. تنازل من جلس على يمين العرش السماوي. اتضع الكائن من الازل الى الابد. اخلى نفسه مَن كان حين تأسست الارض ووضع قياسها. لقد اخلى نفسه ليولد في مذود في قرية صغيرة. لا يقدر انسان ان يستوعب مكنونات عمق الهوة التي تنازل منها الرب في تجسده.انه كالمنحدر من همالايا الكون بأسره الى قاع البحر الميت. الا يستحق ان نتبع خطاه ونحذو حذوه في تواضعه؟
4- التجسد هو ايضاً التلامس الفعلي الحقيقي الاصيل مع الناس. انه فعل الاله الذي يلبس جسدا ويعيش بيننا. يصير بشرا، فيأكل ويشرب ويتعب وينام. يصير مثلنا ويشاركنا بالكمال والتمام، ما عدا بالخطية. في تجسده يعلمنا ان نذهب للناس ونتألم معهم ونحلم معهم ونفرح معهم ...باختصار نحس بهم ونتماثل معهم بعيشنا بينهم وهكذا نقدر ان نعينهم. لانه في ما هو قد تالم مجربا يقدر ان يعين المجربين.