تكتسي شوارعنا بحلّة جديدة في هذا الوقت من كلّ سنة، فتُضاء الأشجار في الساحات والشوارع والمراكز التجارية، وتمتلئ صفحات التواصل الاجتماعيّ بصور الاشجار الجملية المزيّنة في بيوت الكثيرين، وينتظر الاطفال هدية العيد بشوق وترقُّب، وتزداد الاحتفالات والمسيرات والمشتريات، ويدخل اللّطف للغتنا فنتمنّى للبعيد والقريب اطيب الأمنيات بالعيد وبسنة جديدة. ومع تحفّظي من بعض هذه الأمور، إلّا انّه في الحقيقة يُفرحني هذا الموسم وأشعر بسرور وحبور عندما أسير في شوارع مدينتي وأرى انشغال الناس بالعيد وفرحهم به، بغضّ النظر عن دوافعهم وأسبابهم.
لكن سرعان ما تختفي "سَكرة" أجواء العيد، وتأتي "فَكرة" الواقع المرير الذي نعيش فيه. واقع من العنف، والتوتّر السياسي، والتعصب الدينيّ، والأحوال الاقتصاديّة الصعبة، واقع نصحو عليه بعد أيّام قليلة من بداية السنة الجديدة، فيعود الاضطراب والخوف لقلوبنا، والارتباك والحيرة لأفكارنا. وهنا أقف لأتساءل، هل هذا كلّ ما يقدّمه الميلاد لنا؟ يوما أو يومين من الفرح؟ هل الميلاد قصّة جميلة نحلّق فيها لعالم خيالي ثمّ نهوي لنرتطم بأرض الواقع عندما ننهي قراءتها؟ أم يُحتمل أن يكون الميلاد ذات صلة بواقعنا المرير، وحلّ لارتباكنا، وأمل نواجه به ليس سنة جديدة فقط بل كلّ ايّام عمرنا؟
أخذت اقلّب صفحات الكتاب المقدّس، وتمعّنت في قصّة الميلاد مرّة تلو الأخرى، فوجدت أنّ الله يجيب على أسألتي هذه بجملة بسيطة تردّدت أربع مرات في قصّة الميلاد، جملة اثلجت صدري وأفرجت أساريري، وجعلتني أشعر بالطمأنينة. وبالحقيقة الجملة احبّ أن اقدّمها لكَ ولكِ كهدّية هذا العيد: لا تخف!
"لا تخف" لأنّ الله يسمع الصلاة. كثيرون يصرخون كصرخة الشاعر "لمن نشكو مآسينا؟ ومن يُصغي لشكوانا ويُجدينا؟". نشعر أحياناً انّ الله بعيد، غريب عن مشاكلنا وآلامنا. لكن يأتي الميلاد ليذكّرنا بعكس ذلك. ففي قصّة ولادة يوحنّا المعمدان، يظهر الملاك لزكريّا ليقول له: "لا تخف يا زكريّا لأنّ طلبتك قد سُمعت، وإمرأتك أليصابات ستلد لك إبناً وتسمّيه يوحنّا" (لوقا 13:1). هو سامع صلاتك!
"لا تخف" لأنّ الله قادر على كلّ شيء. عندما ارتبكت القدّيسة مريم من كلام الملاك، جاءت هذه الجملة مرّة أخرى "لا تخافي يا مريم... الروح القدس يحلّ عليك وقوّة ألعليّ تظّلك... لأنّه ليس شيء غير ممكن لدى الله" (لوقا 30:1، 35، 37). الله لا يسمع صلاتك فقط، بل هو قادر على كلّ شيء، لذلك ثق به!
"لا تخف" فالله قد أعدّ الخلاص: " لا تخافوا فها أنا أبشّركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: أنّه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرب" (لوقا 10:2-11). يُظهر الله لنا في الميلاد شوقه الكبير ليكون في شركة معنا. إنّ خلاص الله من خلال إيماننا بالمسيح يقدّم لنا هذه الشركة، شركة الآب مع الابن، شركة وجود الله معنا باستمرار. "وإن كان الله معك فمن عليك؟!"
لذلك "لا تخف" أن تُطيع الله. لقد ملأ الخوف قلب يوسف عندما علم بما جرى مع مريم، فجاءت له كلمة الله "يا يوسف يا ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك...ففعل يوسف كما أمره ملاك الرب" (متى 20:1، 24). أطاع يوسف فقدّم من خلال طاعته رسالة الله بأمانة واخلاص.
فبما أنّ الله يسمع صلاتك، وهو قادر على كلّ شيء، ولأنّه يُحبّك وقدّم لك ذاته، لا تخف أن تطيعه، ولا تخف أن تثق به، ولا تتردّد في أن تكون صوته المسموع، ومحبّته الملموسة، ونوره المضيء. عندها سنغيّر من واقعنا المرير ونزرع الفرح في قلوب الناس بدل الخوف.