صادفت فترة نهاية السنة الميلادية هفوات لافتة لثلاثة نجوم من المشاهير في العالم العربي. وحيث ان "غلطة الشاطر بألف غلطة"، فلقد اثارت كل منها زوبعة واثارت معها أسئلة.
لا خلاف ان الجماهير تهرع في اعقاب المشاهير في عالم "الريتينغ" العصري الذي يسعي لنسبة مشاهدات اكبر واكبر. الشخصية المشهورة هي "معبودة" الجمهور الذي يتوق المعجبين للتلامس معه. ان مجرد التلاقي من بعيد مع هؤلاء المشاهير، يثير في الناس القشعريرة وأحيانا يفقدهم اتزانهم. هؤلاء المشاهير هم عادة رجال ونساء فن من مغنيين وممثلين سينما او اعلاميين او ابطال رياضة او صحفيين او سياسيين او حتى رجال دين وغيرهم.
ويكوّن الجمهور فكرة وردية غير واقعية عنهم. اذ يعتبرهم في مصاف الآلهة او على الاقل الصفوة او النخبة ذات النجومية. يظنهم الناس منزهين عن الخطأ وكاملين في مواقفهم وتصرفاتهم، ليس لأمر سوى انهم وسيمي الطلعة او ممشوقي القامة او فاتني المظهر او كلهم معا. يعتبرونهم نموذجا يحتذى به لبراعتهم في مجال فني او رياضي او سياسي مما يجعلهم وجوها مطلوبة ومعروفة فمألوفة في وسائل الاتصال العادية والاجتماعية. ماجدة الرومي تعتبر ايقونة فنية من الطراز الاول في العالم العربي بصوتها الملائكي في اغانيها وترانيمها ونعومتها اضافة الى مشاركاتها الرقيقة المؤثرة امام الجمهور، مثل في حفل تأبين جبران تويني مثلا. كل ذلك منحها وبحق هذه الشهرة والمحبة.
دعيت ماجدة لتقديم حفل غنائي في مهرجان شتاء طنطورة في السعودية قبل اسبوعين وكعادتها القت كلمة في بداية حفلها. ولا نبالغ عندما نذكّر ان السعودية معروفة بكونها منبع الوهابية وهي اساس الحركات الدينية/السياسية المقيتة ومصدر من مصادر مآسي الشرق. "ابتليت" السعودية بالذهب الأسود مما جعلها فاحشة الغنى، مترفة ومبذرة ومتخمة وخاملة. وهكذا باعت ضميرها وخيراتها للغرب كخاوه مقابل الحماية الأمنية ولكي يتركوها وشأنها في انتهاكاتها لغيرها.
افتتحت ماجدة حفلتها بالكلمات:
"وبتمنى يبقى دارها دار العز، وسيوفها سيوف النصر، ويبقى نخيلها مراوح الزمن، تبقى الأبية البهية العربية العزيزة على قلوبنا ، ويدوم عزكم".
وقد اثارت كلماتها ضجة هائلة في مواقع الاتصال الاجتماعي وأبدت مجموعات واسعة تحفظها وحتى غضبها من هذه التفوهات التي تبجل سيوف "العز" التي فتكت باليمن ووصلت للسفارة في اسطنبول. رأى الكثيرون انه بهذه الكلمات تهاوت صورة الشخصية التي رسمها الجمهور في مخيلتهم لماجدة الرومي. رأوها الآن ليس كتلك الشخصية المبدئية التي فوق كل تحفظ وانما كمسايرة او حتى متملقة في سبيل مال نظام اتسخ بالنفط وايديولوجية الكراهية واجتماعيات التخلف وقمع النساء وسياسة قطف الرأس امام الامريكان. بمقدار التقزز من آل سعود، كانت خيبة الأمل من الماجدة. اعتبر الجمهور كلامها "كلمات ليست كالكلمات".
وقبل ان يهدأ صخب الجماهير في ارجاء العالم العربي المترامي الاطراف ازاء ما قالته الماجدة وقعت الفنانة القديرة نجوى كرم بمطب هي الاخرى.
فبعد الغاء حفلة لها في رأس السنة ذهبت نجوى لتحتفل مع صديقة كويتية تعمل كمصممة أزياء في حفلة ترويجية ارادت تلك الصديقة ان تعلن فيها للناس عن جنس مولودها! كيلت الاتهامات لنجوى كرم بالابتذال والمساهمة في ترويج لشخصية تركض وراء الشهرة اذ غنت لتلك الصديقة واذيعت فقرتها على مواقع التواصل الاجتماعي. وكل ذلك في الوقت الذي ارادت نجوى في السابق ان توقف حفل لها بعد ان قام مشاهدون من الجمهور بتصوير الحفل.
مبدئيا لم تختلف خيبة الامل من نجوى كرم عن تلك التي لماجدة، ولكنها كانت اقل قوة بمقدار الشعبية الاقل لصاحبة الصوت الجبلي القوي صاحبة العنفوان من الفنانة الرقيقة الراقية.
وكأن هذا لم يكن كافياً- فلقد شهدنا هفوة اكبر أدت لتعرض عشاق الكرة في العالم العربي كله، وبالذات في بلادنا، الى صفعة مدوية. أتت الصفعة من معبودهم الاوحد هذه الايام وهو النجم اللامع الاول بين العرب واحد المتقدمين بين كل نجوم الكرة العالمية المصري محمد صلاح. فلقد نشر تقرير صحفي عن معارضة نجم ليفربول صلاح لضم فريقه للاعب النصراوي مؤنس دبور والذي امتاز هو الآخر في اوروبا وبرز في تسجيل الاهداف في مرمى الخصم. غنى عن البيان ان معارضة صلاح هو كون مؤنس دبور "اسرائيلياً".
يستصعب عشاق الكرة فهم هذا الموقف المتصلب والخاطئ لصلاح. فمؤنس عربي ومسلم مثل صلاح ولكنه ايضا ابن للشعب الفلسطيني الذي بقى في ارضه وصمد فيها رغم الرياح العاتية: من تخوين العرب لهم من جهة ومن اتهامهم من الاسرائيليين انهم طابور خامس من جهة اخرى. بدل ذلك تشبثوا في ارضهم وحافظوا على التوازن الذي فُرض عليهم على اشرف وجه.
لقد بنى المشجعون صورة مثالية لمحمد صلاح. بسبب مهارته بالتمريرات والتصويبات للكرة بين 22 لاعبا، ظنوه صاحب فكر متنور وحكيم.
قال الرسول بولس:" الجميع زاغوا وفسدوا معا. ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد" (رومية 3: 12)، ولا حتى محمد صلاح!
ان العبرة من هفوات هذه النماذج الانسانية هي انه دون الانتقاص من المحبة والتقدير للفنانين والرياضيين والإعلاميين او السياسيين، لكنهم بشر معرّضون للخطأ، صغيرة كانت ام كبيرة.
ان وجود موهبة في مجال فني او رياضي او استعراضي لا تعني مواقف موفقة او مشرفة.
عبرة أخرى هي انه إذا بحثنا عن نماذج وامثلة عليا فهي موجودة في الشخص الذي قال:" من يبكتني على خطية؟"(يوحنا 8: 46) ولم يقدر احد ان يفعل ذلك. انه موجود في الذي تسامى ادبيا واخلاقيا عن كل البشر. انه الطريق والحق ونبع المحبة التي صدح صوت نفس ماجدة الرومي لتغني له في احدى احلى ساعاتها!