ما علاقة النازية بالعهد القديم؟ يتجاهل الكثيـرون دور الفكر الديني في تشكيل الفكر السياسي. وعندما ندرس علاقة العهد القديم بالنازية نتنبه للعديد من الأمور. فدعونا أولا نسرد باقتضاب هذه العلاقة. سأتحدث عن لاهوتيين إثنين كان لهما أثرا كبيرا في نشر المعاداة للسامية بسبب دراستهم للعهد القديم. لا شك أنني أقبل وحي العهد القديم وأُدين النازية وأرفض التعاليم التي تبررها باسم اللاهوت ولكننا نحتاج أن نقرأ ونفهم لنتعلم وننضج.
الشخص الأول هو أدولف فان هارنك (Adolf Von Harnack 1851 - 1930). بعد دراسة كتابات هرطوق القرن الثاني، ماركيون، قرر هارنك أن يضع كل العهد القديم ضمن لائحة الأبوكريفا. واقتـرح عدم اعتباره مرجعا إلهيا للإيمان المسيحي. وقال هارنك: قاومت الكنيسة في القرن الثاني ضلالة رفض العهد القديم. ولم يقدر المصلحون في القرن السادس عشر أن يتحاشوا مصيرهم المحتوم بقبول العهد القديم. ولكن لماذا نبقيه ضمن لائحة الأسفار القانونية بعد القرن التاسع عشر؟ وبحسب رأي هارنك، نبقيه لأننا مشلولون كنسيا ودينيا. ولهذا اقتـرح هارنك إزالة كتب العهد القديم والابتعاد عن عقلية الناموس المضرة. وهكذا تسلح أعداء اليهود الألمان بأقوال الباحث الشهير هارنك ليروجوا سياسة معاداة اليهود.
الباحث الثاني هو فردريك ديليتش(1850 - 1922). يجادل ديليتش في بداية القرن العشرين أن الحضارة البابلية أسمى من كتابات العهد القديم وأنها من أصول آرية. وقال أيضا أن سكان السامرة والجليل في القرن الأول كانوا من الجنس الآري. وهكذا قد يكون يسوع آريا وليس يهوديا (Arnold, 3). واقتـرح أنه يجب على المسيحيين الألمان أن يزيلوا العهد القديم من كتبهم ويستبدلوه بالأساطير الألمانية. فالعهد القديم مليء بالرذائل والخداع وكتبه تدمر المسيحية. ولقد أثرت كتاباته على الفكر الألماني.
تساهم دراسة كتب الباحثين أعلاه في فهم عقلية المسيحيين الألمان وحساسيتهم لليهود ولدور العهد القديم في تشكيل العلاقة معهم. ونستطيع أن ندرس أيضا كتب سشليرماخر (1768 - 1834) وبولتمان (1884 - 1976) اللذين يقللان من أهمية العهد القديم ولكن بأقل حدة. كما أن عددا من اللاهوتيين الأوروبيين المحافظين يقيمون موقف الفلسطينيين من العهد القديم واليهود في ضوء الكتابات اللاهوتية التي انتشرت في ماضي بلادهم. فعندما نقول أن يسوع فلسطيني جغرافيا يعتقدون أننا نرفض يهوديته. وعندما يعبـّر أيٌّ منا عن تردده تجاه بعض نصوص العهد القديم يفسرون الأمر سياسيا وينعتونه أنه معاد للسامية. ولهذا يجب أن لا ندرس العهد القديم في السياق الفلسطيني فحسب بل أن ندرسه أيضا في ضوء اساءة استخدامه في أوروبا لا سيما في ألمانيا. ولا ضرر أن يفكر الفلسطينيون في علاقة العهد القديم بالنازية ومن ثم كيفية استخدام الكتب الدينية في ترويج المشاريع السياسية. فهذا في جوهر صراعنا الفلسطيني المعاصر. وتحتاج الكنيسة العربية أن تقدم كلمة الله في العهد القديم دون اهمال للفكر النازي المعادي للسامية أو لمآسي الشعب الفلسطيني التي يتم تبريرها باسم الكتاب المقدس.