تحدثنا في المقال السابق عن صورة الله واللغة التأنيسية. وقلنا أنه يجب عدم فهم الصور التأنيسية بطرق حرفية. فكيف إذا يجب أن نفهمهما؟ بالرغم من وصف الله كإنسان، لا يؤمن المسيحيون أن الله جسدي مثل البشر بل هو روح. والله في المسيحية غير محدود ولا يمكننا أن نصفه إلا بلغتنا البشرية المحدودة. لهذا علينا أن نبحث عن الرسالة المقصودة عندما نقول "صورة الله". فنحن لا نتحدث عن صورة فوتوغرافية أو حتى صورة الكترونية ننقلها على الفايسبوك. ليس التشابه بيننا وبين الله تشابها فيزيائيا جسديا. ونعلم أن الله روح وأنه موجود في كل مكان وأنه يعلم كل شيء وأنه يخلق الأشياء من العدم وأنه سرمدي وأنه غير محدود بزمان أو مكان أو أوصاف أو لغات. بالرغم من محدوية معرفتنا إلا أننا نؤكد كلمة الله التي تشرح أننا مخلوقون على صورة الله. ولا تهدف اللغة التأنيسية أن تجعل الله إنسانا بل أن تشرح صفاته بلغة بشرية نستطيع أن نفهمها. وتسعى الله التأنيسية إلى وصف الله كشخص ذي علاقات وككائن يتفاعل معنا بمشاعره وإرادته وفكره وصفاته وعهوده.
ولن أخوض في هذا المقال في تفاصيل نقاش فقهاء اللاهوت المتعلق بمفهوم صورة الله ولكني سأقدم تلخيص عنها. يلخص تاونر جزءا من جدلهم بالنقاط الآتية. (1) يجب مناقشة صورة الله من منظور السيد المسيح الذي هو صورة الله (كولوسي 1: 15). (2) يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الفرق بين الكلمتين المذكورتين في تكوين 1: 26 وهما "صورة" و"شبه". (3) يرتبط مفهوم صورة الله بعطايا إلهية مثل الذاكرة والوعي والعقلانية والذكاء والروحانية وعدم فناء النفس. (4) صورة الله هي قدرتنا على اتخاذ القرارت الأخلاقية وإرادتنا الحرة التي تختار بين الخير والشر. (5) صورة الله هي مشاعر الحب ومشاعر أخرى يفتقر إليها الحيوانات. (6) هي قدرة الإنسان أن ينظر خارج دائرة الذات ويكتشف الجمال الحقيقي. (7) تتعلق صورة الله بمظهر الإنسان الخارجي. (8) صورة الله هي دور الإنسان كنائب الله على الأرض. (9) صورة الله هي كون الإنسان عاملا مع الله. (10) صورة الله هي كونه ذكرا وأنثى، أي الوجود بطريقة متميزة تمتلك الإمكانية أن تصنع علاقة مع كائن آخر كما هو الحال في الله المثلث الأقانيم. ونستطيع تلخيص هذه النقاط في أن كون الإنسان على صورة الله أمر يتعلق بجوهره أو بوظيفته أو بعلاقاته.
ويقول الكتاب المقدس: "قال اللّٰه نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا" (تكوين 1: 26). وهكذا ترتبط الانثروبولوجي بالثيولوجي أو يرتبط الإنسان بالله. ولكن هل كل إنسان مخلوق على صورة الله؟ فماذا عن المعاقين عقليا وجسديا؟ هل تنقص تحدياتهم الجسدية من نسبة كونهم على صورة الله؟ ماذا عن المنحلين أخلاقيا؟ ماذا عن فرعون وهيرودس وهتلر والدواعش وأمثالهم؟ هل تُنقص إعاقتهم الأخلاقية من نسبة كونهم على صورة الله؟ يرتبط جوابنا بمفهومنا عن صورة الله. فلقد أكدنا أعلاه أن التفسير الجسدي لصورة الله يتعارض مع طبيعة الله ويتجاهل اللغة التأنيسية في الكتاب المقدس. إذا لا يتحدث النص أن الأنسان هو نسخة جسدية عن الله ولا يتحدث عن استنساخ الله بخلق جسدي. بالرغم من الصراع المتعلق بمفهوم صورة الله إلا أنه من الواضح أن النص يربط الإنسان بالله. فقيمة الإنسان وكرامته لا تعتمد على إثنيته أو إنجازاته بل على صلته بالخالق كمخلوق على صورة الله. ويظهر الله كالشخص الذي يشارك السلطة إذ يعطي السلطة على الخليقة والأرض للإنسان. وهو الشخص الذي يدعم العيش المشترك والمجتمع البشري. وهو معطي البركة التي تسبب النمو والازدهار إذ بارك آدم وحواء وطالبهم بالإثمار. وهو النموذج لممارسة حكم الأرض إذ خلق الأرض من العدم ثم نظمها وزود كل ما هو صالح. فأعطى الهواء قبل خلق الكائنات البرية وأعطى الماء قبل خلق الكائنات المائية وخلق الطعام والشراب قبل خلق الإنسان.
لاحظ أن الله يشارك السلطة مع الإنسان إذ يريد أن يجعله سيدا على الخليقة وليس كائنا مستعبدا للآلهة. وهكذا صار الإنسان أهم ما في الخليقة. فيجب ألا نجيع جيراننا لأننا نريد أن نطعم الحيوانات في بيوتنا ويجب ألا نعرض حياة أولادنا للخطر بسبب اهتمامنا بالحيوانات المفترسة. الإنسان أهم من الحيوان. ولكن هل ستكون سيادة الإنسان مثل الله الذي خلق ونظم وزود حاجات خليقته أم أن سيادة الإنسان ستكون مثل الشيطان؟
W. Sibley Towner, “Clones of God: Genesis 1:26-28 and the Image of God in the Hebrew Bible,” Interpretation 59 (2005): 343.
Millard Erickson, Christian Theology; 2nd ed. (Grand Rapids: Baker, 1998), 520-527.
Ibid., 348.