في البدء خلق الله السموات والأرض (تك 1: 1). يفتـرض الكتاب المقدس في أول سطوره أن الله موجودٌ. فلا يحاول أن يثبت وجود الله أو أن يقدم جدلا يرد به على تعاليم الإلحاد. ويفتـرض أيضا أن التعاليم المتعلقة بتعددية الآلهة وبعبادتها مرفوضة (Polytheism). ولهذا يقدم إلها واحدا. ولا يبدأ بالحديث عن الإلهيات ومجالس الآلهة وتفوق الله على الجميع. ولكنه يبدأ بتقديم الله الذي خلق كل شيء وهو مزود حاجات الكل ومُكرّم الإنسان. فبه كل شيء كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. ويختلف هذا التوجه عن حضارات بابل وأشور ومصر الذين آمنوا بتعدد الآلهة وربطوا الخلق بصراع الآلهة واستغلال الخليقة.
ويقدم الكتاب إلها شخصيا فلا يقدم إلها لا يمكن الوصول إليه. ولا يتحدث عن إله لا يمكن التحدث معه، بل يشرح لنا هوية الإله الذي يتلامس مع الإنسان ويتحدث إليه ويتواصل مع شؤونه اليومية والأبدية. وهو إله آدم وحواء وإله الآباء. ولكن علينا أن نتنبه للتنوع في السياق اللاهوتي للعهد القديم. فلقد كُتب العهد القديم عبـر مئات السنين وفي أطر دينية متنوعة. ويحوي العهد القديم عددا من المدارس الفكرية في حوار وتفاعل ويقودنا العهد القديم بمجمله إلى التأكيد على وحدانية الله.
فوحدانية الله ارتبطت بالمواقف الدينية المتعددة في تاريخ يسرائيل. فتارة عبد الشعب العديد من الآلهة وتوراً عبدوا إلهاً واحداً. وهكذا نجد سليمان ينشر تعدد الآلهة والمذابح (Polytheism) بينما ينشر يوشيا وعزرا عبادة الإله يهوه وحده (Monotheism). وعرج الشعب بين هاتين المدرستين وبرزت مدرسة آخرى تشدد على مجلس الآلهة (Pantheon). وفي منظور هذه المدرسة يصنفون الآلهة بحسب عظمتها وأهميتها وقوتها. ويروّج أتباع يهوه أنه أعظم الآلهة وأفضلها آملين أن يبدأ العابدون بتخصيص العبادة له وحده (Monolatry). وبحسب هذا المفهوم الأخيـر، لا تعني عبادة يهوه وحده إنكار ألوهية الآلهة الأخرى بل عدم المشاركة في عبادتها. وللأسف سيطر هذا الفكر لسنوات كثيـرة وظهر في عدة مواقع في العهد القديم. ولقد تفاعلت النصوص المقدسة وأنبياؤها مع كل هذه المدارس مؤكدين على الحق الإلهي ومشددين على وحدانية الله بطرق مختلفة. وبدون شك، شكّلت صفحات سفر التكوين الأولى نظرة العهد القديم لله الواحد ثم أكد سفر التثنية أن الله واحد وأن كل الآلهة الأخرى من صنع البشر.
ولا ينحصر اهتمام الكتاب المقدس بالمفهوم الفلسفي المتعلق بوحدانية الله. فمن منظور كلمة الله، تقودنا وحدانية الله إلى تخصيص العبادة له وحده وعدم الإشراك به. فلا نشرك في عبادة الله. وحدانية الله هي دعوة للعبادة وللتكريس الكامل. وتساعد الوحدانية على تفسير أصل الخليقة بالعلاقة معه. وتربط استقرار الخليقة وازدهارها برعايته. فالرد المناسب لعقيدة توحيد الله هو محبته من كل القلب والنفس وتكريس حياتنا له. ولهذا لا نستطيع فصل المونوثيستية (Monotheism) أو الله الواحد عن المونولاتري (Monolatry) أو العبادة لله وحده.