تأملات من العهد القديم: شمشون النذير (قضاة 13 – 16)
يظهر إثنا عشر قاضيا في سفر القضاة. ومن أشهر هؤلاء القضاة البطل شمشون من سبط دان. لقد كان إنسان مميزا بكل معنى الكلمة. فهو مميز بولادته. كانت أمه عاقرا ولم تلد إلا بمعجزة ربانية. فلقد ظهر لها ملاك الرب وأعلن تدخل الله في حياتها وحياة زوجها منوح. وأعلن لها أن طفلها سيكون نذيرا للرب وأنه سيخلص شعب يسرائيل من أعدائه. لقد جاء شمشون استجابة للصلاة ولعمل الله وأمانته. وارتبط الحبل به برؤية الله. ووُلد شمشون بوعود إلهية وفي وسط أسرة تقية وبمعجزة سماوية.
لقد كان شمشون نذيرا للرب فتشابه بذلك مع النبـي صموئيل ومع القديس يوحنا المعمدان. ووجب عليه ألا يشرب الخمر والمسكر وألا يلمس جثث الحيوانات والأموات وألا يقص شعر رأسه. ولقد حلّ روح الرب على شمشون وقام بأعمال بطولية وذاع صيته في كل البلاد وكانت فرصه عظيمة وكبيرة. فهو يستطيع أن يبارك كل الشعب وأن يخلص يسرائيل من أعدائه وأن يمجد الله بقوة كبيـرة. يا له من رجل موهوب. هو إنسان زودته السماء بإمكانيات مذهلة. ولكن للأسف لم تُفعّل هذه الإمكانيات وتنتج أفضل ثمر. وربما نسأل لماذا يسقط القديسون ويزل النذيرون؟
لقد كسر شمشون التزامات النذير. فعندما رأى جثة أسد وفي جوفها عسل. مد يده وتلامس مع الجثة ليأخذ العسل فكسر التزامات النذير. وصار يُعد الولائم التي امتلأت بالخمر. وفي النهاية قدم شعره على طبق الغباء الروحي. وخسر الفرصة تلو الأخرى لأنه لم يفهم دعوته كنذير ولم يلتزم بالوصايا الإلهية. فدفع ثمنا باهظا.
يمتلك بعض منا إمكانيات عظيمة كشمشون. فقد ننتمي إلى أسرة خادمة وممتلئة بالنعم الإلهية. ربما تكون الأم مصلية ويكون الأب داعما لكل خيـر كمنوح وامرأته. وربما اختبرنا معجزات إلهية مدهشة. وربما أنعم الله علينا بمواهب طبيعية وروحية لا مثيل لها. وربما تمتلك بعض الكنائس امكانيات مذهلة بسبب كرم الله وكثافة عطاياه فيها. إلا إن الإمكانيات وحدها لا تضمن النتيجة الصحيحة والثمر الأفضل. فيجب أن نفهم أن كل نذير للرب يجب عليه أو عليها الالتزام بمعايير القداسة والتكريس حتى تظهر فينا قوة الله ويظهر فينا ومن خلالنا خلاصه المجيد. فهل نكرس أنفسنا ونلتـزم بنذورنا ونخدم الله من كل القلب والنفس والقدرة دون تجاوز وصاياه والطرق التـي أمر بها.