يونان شخصيةٌ معروفة في العهد القديم. دعاه اللهُ أنْ يذهب إلى نينوى لينبّه أعداءَ شعبه أن يهربوا من غضب الله بالتوبة. فهرب يونانُ من مهمته إلى ترشيش. وركب السفينة من يافا برفقة بعض الملاحين الوثنيين. ويصف لنا سفر يونان ست صلوات خلال السفر.
أولا، عندما ركب يونان السفينة وانطلق مع الملاحين نحو ترشيش فاجئتهم عاصفة كبيرة. وأوشكت سفينتهم أن تنكسر ويهلك الجميع. وفي وسط الأزمة أخذ الملاحون القرار أن يصلوا. فصرخوا إلى الآلهة وعملوا كل ما يستطيعون من طرح الأمتعة وتخفيف الأوزان ولكن المشكلة لم تُعالج. فبدون التعامل مع المشكلة لن تتوقف العاصفة ولن تنفع الصلاة. فما دامت الخطيئة مختبئة في أسفل السفينة لن تتوقف العاصفة. وبينما يرى الجميع الهلاك والدمار لا يرى يونان، صاحب المشكلة، أي شيء، بل بعكس الجميع ينام نوما ثقيلا. فلا يسمع ولا يرى ولا يشعر بهموم الملاحين. ولهذا يجب أن تتوسع دائرة الصلاة لتشمل صاحب المشكلة. فانضمامه إلى الصلاة بداية الحل. وعندما جلس معهم بدأت تنكشف الأمور فعرفوا أن يونان هو مصدر المشاكل. وعرف يونان أن الحل يكمن في يديه. فضحى بنفسه في سبيل نجاة الملاحين.
ثانيا، صلى الملاحون قبل أن يطرحوا يونان في البحر. ولم يصلوا هذه المرة إلى آلهتهم بل إلى الرب إله السماء والبحر والبر. طلبوا أن يمنع الله الهلاك عنهم. طلبوا ألا يعتبـرهم إله العدالة جناة ظالمين أو قاتلين أو سافكي دما بريئا. لقد استيقظ حسهم الديني وسط العاصفة وارتفع التزامهم الأخلاقي وتمسكهم بالعدالة وسط اصرار الله على محاسبة نبيه. ثم قدموا الذبيحة لله ونذروا نذورا مؤكدين احتـرامهم وتقديرهم وعبادتهم لإله السماء والبحر والبر.
ثالثا، بعدما ألقى الملاحون يونان في البحر ليرضى إله السماء عنهم، أعدَّ الرَّبُ كائنا بحريا ليبتلع يونان. وفي جوف هذا الكائن صلى يونان إلى الرب. إنها صلاة الضيق. إنها صلاة النبي. ولمست صلاته قلب الله فلمس الله جوف الكائن البحري وأمره بإخراج يونان من ضيقه. وهكذا حصل. وتوجه يونان إلى نينوى ليحقق المهمة التي أوكلها له الرب.
رابعا، عندما وصل يونان إلى نينوى حذّر أهلها. فتجاوبوا بشكل مذهل مع تحذيره. وآمن أهل نينوى وصاموا وصلوا. وصرخوا إلى الله بشدة ورجعوا كل واحد عن طرقة الرديئة. إنها صلاة التوبة الصادقة. إنها الصلاة التي تؤمن حقا بقول الله وتجسّد الكلمات بالأفعال والمواقف. لقد حركت هذه الصلاة قلب الله وغيّرت مصير البلد بأكمله.
خامسا، جلب نجاةُ نينوى الغمَّ على يونان. كان يونان متعصبا لا يريد الخير لأعداء شعبه. لقد علم أن الله رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثيـر الرحمة. يا له من نبي مطلع على قضايا لاهوتية عظيمة ولكنه لم يستبطن الرأفة والرحمة بالرغم من معرفته واختبار نجاته من جوف الكائن البحري. فصلى صلاة اليأس طالبا أن ينهي الله حياته ومعتقدا أن موته أفضل من حياته.
سادسا، انعزل يونان عن أهل نينوى مع أن الفرصة عظيمة لتعليمهم وتثقيفهم بتعليمات الرب. شعب بأكمله تاب ورجع وعبد الله. وصدقوا نبيه. فلماذا لا يغتنم يونان الفرصة ويخدم ويبني ويعضد ويشجع ويرفع الآخرين. لقد سيطر التعصب على حياته. لقد أعمت مشاعره وأفكاره قدرته على رؤية عمل الله العجيب. فانعزل وجلس مغموما بدل أن ينغمس في خدمة السيد ويفرح برحمة السماء التي لمست قلوب أهل نينوى. وجلس تحت يقطينة يستظل بها. ولكن الدودة أكلتها. فصلى يونان بسبب الدودة واليقطينة التي أشفق عليها وطلب الموت لنفسه.
لا شك أن الصلاة مهمة وتزداد أهميتها عندما تتوافق مع فكر الله وإرادته. علينا أن ندعم ونشجع كل إنسان أن يصلي ولكن لنحذر فليست كل صلاة ترضي الله. عندما تكون الصلاة أنانية وانتحارية مثل صلوات يونان فهي صلوات غير مقبولة. وعندما تكون الصلاة بدون طاعة ومبطنة بالكراهية فلن تكون مقبولة. وعندما تكون الصلاة صادرة من أفواه متمردة على إرادة الله وغيـر ملتزمة برحمته ورأفته ومحبته لكل البشر فإنها لن تكون مقبولة في محضر الله. يا رب علمنا أن نصلي بفكر تقي واحساس سماوي وبتوبة صادقة ورغبة مُلّحة أن تكون أنت أولا في كل شيء وأن تتحق إرادتك قبل كل شيء.