لم اعتاد استخدام هذه الكلمات العربيـة (تنبؤية ونبوية) وتميـيزها عن بعضها بعضا بالرغم من وجود تمييـز مشابه باللغة الإنكليـزية إذ نجد كلمة (foretelling) أي التنبأ بالمستقبل وكلمة (forthtelling) أي إعلان المشيئة الإلهية. وبسبب الحاجة إلى التفريق بين هاتين الفكرتين اقتـرح تخصيص كلمة عربية مختلفة لكل فكرة. دعوني أوضـح الكلمتين العربيتين، ودلالة كل منهما، والفائدة من التمييـز بينهما.
أولا، نستخدم جميعنا الفعل العربي تنبأ. الفعل الثلاثي هو نبأ. والنبأ هو الخبـر. وأنبأ تعنـي أخبـر. والنبـي هو الشخص الذي يخبرنا برسالة إلهية. وفي اللغة العبـرية نستخدم كلمة נביא. واستخدم القدماء كلمة رائي. يقول الكتاب المقدس: "سَابِقًا فِي إِسْرَائِيلَ هكَذَا كَانَ يَقُولُ الرَّجُلُ عِنْدَ ذَهَابِهِ لِيَسْأَلَ اللهَ: «هَلُمَّ نَذْهَبْ إِلَى الرَّائِي». لأَنَّ النَّبِيَّ الْيَوْمَ كَانَ يُدْعَى سَابِقًا الرَّائِيَ" (1 صموئيل 9: 9).
ولا شك أن مفهوم النبوة تطور وتغيـر عبـر السنين. أولا، كان إبراهيم أبا الأنبياء. فهو نبي في عصر الآباء وأحفاده الأسباط ومنه خرج الأنبياء. فهو النبي الأب. ثانيا، تميـزت نبوة موسى برؤية الله وجها لوجه. وكانت نبوته مرتبطة بإعطاء التوراة وبقيادة الشعب. وكان القائد الأعلى في مملكة ثيوقراطية (مملكة يحكمها الله). فهو النبي المُشرّع الذي كان برتبة ملك. ثالثا، كان صموئيل النبـي قاضيا. هو النبي القاضي. ولقد تميـز بمكانة مرموقة في الشعب وتشابه مع موسى إذ كان برتبة ملك في مملكة ثيوقراطية إلا أنه لم يكن مُشرّعا مثل موسى. رابعا، بدأ تنوع الأنبياء يزداد إذ نرى النبـي داود الملك. فهو النبي الملك. وفي عصره ظهر أنبياء آخرون خدموا الملك وتحدوه أحيانا. فعلى سبيل المثال، تحدى النبي ناثان ملكه داود عندما زنى الملك مع امرأة أوريا الحثـي. وصار الأنبياء يخدمون الملوك أو يواجهونهم بالحق أو يرشدوهم بالمعارك. خامسا، برزت خدمة الأنبياء في القرن التاسع قبل الميلاد. فظهرت خدمة إيليا وأليشع ثم مدارس الأنبياء. وصارت النبوة قوة اجتماعية تتحدى وتقيّم الكرسي الملكي والقرارات الملكية. سادسا، بدأ الأنبياء بعد القرن التاسع وبداية من القرن الثامن قبل الميلاد بتوجيه رسائلهم بكثافة إلى الشعب عامة. فظهر عاموس وأشعياء وميخا وغيرهم.
في القرن الثامن قبل الميلاد زادت الحاجة إلى التفريق بين الرسالة النبوية والرسالة التنبؤية. فلقد اعتمد الأنبياء في تلك الفتـرة على توراة موسى واعتبروها أساسا للحياة التقية. ولكنهم أكدوا على المعايير الأخلاقية والعناية بالفقير والمحتاج والأرملة. وانتقدوا كل تقوى زائفة. ووضعوا هذا الانتقاد والتعليم في عظات ورسائل مختلفة. هي رسائل نبوية لأنها وعظ وتحفيـز على العودة لله من كل القلب. وكانت معظم رسائلهم ومعظم الأسفار التي حملت اسمهم نبوية في جوهرها وليست تنبؤية. إلا أن بعض رسائلهم كانت تنبؤية أي أنها تحدثت عن حدث مستقبلي سواء أكان الحدث خلاصيا أم دينونة. فقدوم المسيح في آخر الزمان هو رسالة تنبؤية.
إلا أننا يجب ألا نفصل الرسالة التنبؤية عن الرسالة النبوية في الدراسة اللاهوتية والعبادة الربانية. فصلهما بهدف الفهم مقبول وضروري ولكن فصلهما بالممارسة والعبادة مضر. وأكرر فصلهما في اللاهوت والعبادة مضر ومضلل. فكل رسالة تنبؤية في النصوص المقدسة وُضعت في إطار نبوي يحثُ القارئ والقارئة عبـر السنين على التوبة والرجوع إلى الله من كل القلب. فليست الرسائل التنبؤية للفضوليين بل للقديسيين والقديسات اللواتي يرغبن في طاعة الله ونشر ملكوته في كل الأرض. والرسائل التنبؤية للضالين والهالكين هي رسالة نبوية تحثهم على التوبة. ولهذا وجب علينا أن نسأل أنفسنا: ما تأثير الرسائل التنبؤية على قداستنا وإرسالية المحبة والعدالة والقداسة والرحمة والخلاص لكل البشر. فإن كان تأثيرها انقسام الكنيسة والتحزر والتكهن بالمستقبل فهي مضللة ولكن إن جعلتنا نحب الله من كل قلبنا وقدرتنا ومكنتنا في نشر ملكوته بكل طاقاتنا فعندئذ نعرف أن الرسالة التنبؤية جعلت منا أنبياء أو وعاظا وواعظات ورسلا ورسولات لملكوت الله.