أجل، هل أعاد الله بناء خيمة داود الساقطة؟ لقد أخبرنا الرسل الأوائل عدة حقائق روحية هامة نتيجة للمجمع الكنسي الأول الذي عُقد في أورشليم(أعمال الرسل، الأصحاح الخامس عشر). والذي كان موضوعه البحث في المشكلة التي أثارها المؤمنون بالمسيح من أصل يهودي فريسي، والتي تتعلق بموضوع محاولة فرض الختان وحفظ الناموس على المؤمنين بالمسيح من الأمم. وهنا وقف الرسول بطرس وأكّد أن الله اختاره أن يسمع الأمم بفمه كلمة الإنجيل ويؤمنوا، وقد شهد لهم الله بأن أعطاهم الروح القدس كما لنا أيضا- أي لليهود – ولم يمّيز شيئاً بيننا وبينهم، إذ طهّر بالإيمان قلوبهم(1).
وبعدما انتهى الرسول بطرس، وقف الرسول يعقوب وأثنى على كلامه. ثم أضاف قائلاً أن: «هذا توافقه أقوال الأنبياء، كما هو مكتوب: «سأرجع بعد هذا وأبني أيضاً خيمة داود الساقطة، وأبني أيضاً ردمها وأقيمها ثانية، لكي يطلب الباقون من الناس الرب، وجميع الأمم الذين دُعي اسمي عليهم. يقول الرب الصانع هذا كله. معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله»(2). فماذا يعني كلام الرسول يعقوب هذا؟
نلاحظ أن الرسول يعقوب أعلن أن كلام الرسول بطرس عن قبول الأمم لرسالة الإنجيل، هو أمر سبق للأنبياء أن تحدّثوا عنه. وهو قصد بشكل عام نبوءات النبي إشعياء وغيره من الأنبياء، التي تحدثت عن زمن سيتعامل فيه الله مع الأمم ويخلّصهم. ثم اقتبس الرسول يعقوب نبوءة النبي عاموس، التي تنبأت عن إعادة بناء خيمة داود الساقطة وإقامتها ثانية. والملاحظ هنا أن الرسول يعقوب لم يقتبس بالضبط ما كتبه النبي عاموس. وهذا يؤكد أن الروح القدس قاد الرسول يعقوب لكي يفسّر ما دوّنه العهد القديم على ضوء حقائق العهد الجديد الروحية، وأن يبتعد عن التفسير الحرفي للنبوءة. لكن ماذا قصد الرسول يعقوب بإعادة بناء خيمة داود الساقطة؟ وكيف تمّ هذا الأمر؟ للإجابة عن هذا السؤال الهام أقول:
إن خيمة داود تعني مملكة داود، وحضور الله وسط الشعب من خلال الهيكل في مدينة أورشليم. ولقد أدان الله الشعب القديم بسبب خطاياه وعصيانه عليه كما سبق أن حذّره، وتمّ هدم مملكة داود، وتخريب الهيكل بالسبي البابلي الذي حصل أخيراً عام 586 قبل الميلاد. وبالرغم من رجوع قسم من الشعب من السبي، فإن مملكة داود لم تعد لها قائمة، إذ عرفت احتلالات كثيرة كان آخرها الاحتلال الروماني. وهنا علينا أن نلاحظ أن النبي عاموس وكذلك الرسول يعقوب ربطا بين إعادة بناء خيمة داود الساقطة وقبول الله للأمم كشعبه. وهذا تطور هام للغاية في علاقة الله مع الإنسان. وكما نعلم فإن الشعب القديم كان ينتظر مجيء المسيح المخلّص الملك. وهكذا عندما تمّم الله وعده وأرسل المسيح، فقد أصبح الباب مفتوحاً أمام تحقيق هدف الله الأزلي من إرساله للمسيح، بإعلان خلاصه لكل الأمم. وهذا ما قصده الرسول يعقوب بالقول: «معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله».
أجل، لقد تمّ الوعد بإعادة بناء خيمة داود الساقطة، وإقامتها ثانية، بحسب ما ذكر الرسول يعقوب، ليس عن طريق إعادة بناء مملكة أرضية سياسية، لكن من خلال تأسيس مملكة روحية، أي ملكوت الله. يكون فيها المسيح الذي هو من نسل الملك داود، هو المخلّص الملك. واصبح بالتالي خلاص الله يشمل جميع شعوب وأمم الأرض. هذا هو السر الذي كشف عنه فيما بعد الرسول بولس، سر المسيح. عندما قال في رسالته إلى الكنيسة في أفسس: «أن الأمم شركاء في الميراث والجسد ونوال موعده في المسيح بالإنجيل(3)». وكان الرسول بولس قد مهّد لهذه الحقيقة الهامة بالقول: «أنه بإعلان – أي الله - عرّفني بالسر... سر المسيح الذي في أجيال أُخر لم يُعرّف به بنو البشر، كما قد أُعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح(4)». وهو في هذا قد اتفق مع الرسول يعقوب، بإعلان هذا السر الكامن منذ الأزل بخلاص الأمم عن طريق المسيح، واتحادهم مع المؤمنين من الشعب القديم. وبذلك قد تمّ الوعد بإعادة بناء خيمة داود الساقطة، وإقامتها ثانية.
يحاول البعض أن يربط بين إعادة بناء خيمة داود الساقطة وإقامتها ثانية، بالمجيء الثاني للمسيح وإعادة تأسيسه لمملكة داود الأرضية الخاصة بشعب إسرائيل، وأنه عندها سيشمل الخلاص الأمم أيضاً. لكن هذا لا يتفق كما شرحت مع ما كان يتحدث به الرسولان بطرس ويعقوب، وبعدها الرسول بولس. فهم جميعاً كانوا يتحدثون عن خلاص المسيح في الدهر الحالي، وأن الله يقبل الأمم ويخلّصهم حالياً، بواسطة عمل الفداء الذي تمّمه. وأن المسيح قد أتمّ بذلك نبوءات العهد القديم، وخطة الله الأزلية، وأعاد بالتالي بناء خيمة داود الساقطة، وأقامها ثانية. فأين الحديث عن المجيء الثاني للمسيح في هذا المقطع الكتابي من سفر أعمال الرسل؟ أو لا يتم اقحام هذا الموضوع، أي المجيء الثاني للمسيح، على النص الكتابي لهدف التأكيد على تفسير(5)، ثبت ويثبت كل يوم خطأه الواضح.
1- أعمال الرسل6:15-12.
2- أعمال الرسل13:15-18. سفر النبي عاموس11:9-12، «في ذلك اليوم أقيم مظلة داود الساقطة، وأحصّن شقوقها، وأقيم ردمها، وأبنيها كأيام الدهر. لكي يرثوا بقية أدوم وجميع الأمم الذين دُعي اسمي عليهم، يقول الرب، الصانع هذا».
3- أفسس6:3.
4- أفسس3:3-5.
5- هو التفسير التدبيري الذي يدّعي أن الله يتعامل مع الإنسان من خلال سبعة تدابير، ويشدد على العلاقة الخاصة المستمرة بين الله وشعب إسرائيل.