اذا سألتني اين اجد عمق المسيحية واين قدس اقداسها والنقطة المحورية لها، سأجيبك بانها لحظة الصليب. هناك اقام الله جسرا بينه وبين الانسان. هناك ربط الله بين الارض والسماء. هناك دفع الله ثمن ابطال العداء بين الانسان والله. هناك تكمن المسيحية.
احداث تلك الجمعة من ساعة القبض على يسوع ، محاكمته وصلبه وحتى دفنه هي محط لتأملات روحية عميقة. المسيحيون من الخلفيات القومية والعائلات الكنسية المختلفة يذكرون تلك الجمعة، يحتفلون بها ويحضّرون نفوسهم وارواحهم لها بطرق مختلفة. فهناك من يصوم عن الاكل والبعض يمتنع عما يعطل الحياة الروحية. البعض يزور كنيسة القيامة وآخرون يشتركون في صلوات كنيستهم او يشتركون "بجناز المسيح" وغيرها. ان هذا الفعاليات والطقوس وغيرها تدخل المؤمن الى اجواء الفصح. جلبة العالم وضوضاءها تستبدل بسكون وتأمل في المصلوب وما تكبده لاجلنا.
وتأخذ المشاركات طابعا حزينا مؤثرا ويتشكل في النفوس تقديراً متجدداً لعمل الحبيب المصلوب. نحزن لما عاناه من استهزاء ونتأثر للالم الجسدي الذي تحمله عندما دُقت المسامير في اليدين. نتعاطف معه حين سخروا منه واقترعوا على ثيابه.
ان الطابع الحزين للصلوات والترانيم يغرس شعوراً عاطفياً متعاطفا،ً وهذا جيد بحد ذاته. لكن كيف يتحول هذا الشعور لتصميم وتقدير ومحبة مستمرة لشخص المسيح، وليس في زمن الفصح فحسب؟ كيف تتحول الجمعة الحزينة الى جمعة عظيمة؟
اعتقد انه ابعد من مجرد التأثر العاطفي المتماثل، نحتاج لاشتباك عضوي بالروح القدس للمشاعر الجياشة مع فهم عقلي عميق لابعاد الصليب. ان هذا الفهم هو الذي يضمن التقدير لعمل يسوع على الصليب في تلك الجمعة. انه يحولها من مجرد جمعة حزينة الى جمعة عظيمة. انه سيجعل عمل الفداء جزء من نسيج شخصيتنا وفهمنا للحياة. عندما نفهم عمق ابعاده، يصبح الصليب منظورنا لادراك وتقييم اي شئ آخر في الحياة. عندما نفهم هول المصير دون الصليب، نقدّر الثمن الذي دفعه يسوع. حين ندرك احسن الثمن المدفوع عن خطايانا، نفهم افضل ما يتوجب تقديره في الحياة وما يتوجب التنازل عنه. يأخذ الصليب عندها دوره الفاعل في شخصياتنا ومسيرتنا كمسيحيين في هذه الحياة.
عندها ندرك افضل ان يسوع مات ليس لكي نتأثر ونحزن فحسب، لكن لكي نفهم عمله ان هو جزء من خطة الله الكونية للخلاص. بارتباط فعل العاطفة في كياننا بفهم عقلي لعمل الصليب، سنقدّر ابن الله الحي الذي وضع لخلاصنا على خشبة الصليب في الجمعة العظيمة.