طالعنا عيد الفصح هذا العام ايضاً بقضية اعتداء جديدة على المسيحيين وهذه المرة على قرية جفنا في الضفة الغربية. رغم صغر القرية، لكن الاساءة لاقت اهتماما وتنديدا عاميّن في بلادنا، على الرغم من عدم وقوع ضحايا بالارواح فيها والحمد لله.
ان "ابطال" هذا الاعتداء الآثم هم افراد من بلطجية السلطة الفلسطينية وزبانيتها. استقوى هؤلاء على قرية وادعة مسالمة، ليس لأمر سوى ان امرأة مسيحية من جفنا قدمت شكوى ضد شاب مسلم بسبب خلاف في امر مدني اعتيادي. لم تعلم الشابة ان والد الشاب الارعن هو من زلم السلطة الفلسطينية وهو يظن نفسه آمراً ناهياً وبامكانه الغزو مع عصابات تخضع لاوامره على بلدة الشابة.
وتخلل اعتداء الرعاع تحطيم سيارات وتخريب ممتلكات والقاء زجاجات المولوتوف ودعوات مطالبة السكان المسيحيين في البلدة بدفع الجزية!
ولا يسع الفلسطيني الشريف، بغض النظر عن دينه ومكان سكناه اليوم، الا ان يستنكر ويندد ويأسف. ولكن يبدو انه يتعسر اعتبارها حادثة شاذة نمرّ عليها مرّ الكرام، بالذات اننا اعتدنا في شرقنا حوادث الاعتداءات على المسيحيين، ان كان في الاسكندرية او الموصل او المغار او...جفنا.
وتتعالى الاصوات التي ترى ضرورة الحفاظ على النسيج الاجتماعي، وبكلمات اخرى حماية المسيحيين ومنع الفتنة الدينية بين ابناء الشعب الواحد. ويشعر البعض بارتياح لوجود اوصياء من المسؤولين الحكوميين ممن سيضمنون الحماية المطلوبة. ويبرر كثيرون هذا الحل للاهمية الاستراتيجية العامة للقطر ولوقف نزيف الهجرة والحفاظ على الوجود المسيحي، وبالذات وقد ساهم المسيحيون في اعلاء شأن شرقنا بعملهم في المهن الحرة والمؤسسات التعليمية والطبية والادب والفنون والعلوم بما يفوق نسبتهم العددية بكثير.
لكني اعتقد ان هذا التوجه يلائم دول الرجعية ولا يمكن الاعتماد لزمن طويل على "الاوصياء" اصحاب النوايا الحسنة او ممن فهموا ان مصلحة بلادهم تكمن في المحافظة على المسيحيين.
اعتقد انه يتوجب احداث تغيير جذري في القيم العامة في البلاد العربية قبل ان نحلم بتغيير الحال. وقد اكون حالماً او ساذجاً او مثالياً حين اؤكد انه يتوجب ان يحكم مبدأ سيادة القانون قبل ان يحدث التغيير المنشود. هذا التغيير سيضمن المساواة امام القانون وكنتيجة لذلك: احترام الآخر المختلف دينا او عرقاً . لكن لا يمكن فرض سلطة ، او قل سطوة، القانون عنوة. لكي تتمكن المجتمعات العربية تطبيق سلطة القانون يتوجب ان يصبح هو جزء من منظومة اخلاقية وثوابت عامة. لا يتم ذلك دون تربية للقيم يتجند لها الكبير قبل الصغير، الحاكم قبل المواطن، رجل الدين قبل العلماني. عندما يصبح اعتداء كهذا "عيب ورذيلة" عند الكهل والشاب والمتزمت واللبرالي، نكون قد اصبنا الهدف.
عندها لن يعتبر احدهم نفسه حالة استثنائية لا يسري عليه مبدأ سيادة القانون. فالمبدأ مدعوم بمنظومة اخلاقية عامة متجذرة في حياة الناس. عندها لن تسوّل لمتنفذ في السلطة ، اي كان، ان يتصرف على هواه. فالقانون يدينه والمجتمع يرفضه.
التوصل لوضع كهذا يتطلب جهدا جبارا وشاملا ولن يتم دون وجود نيّة لمثل هذا التغيير ورغبة وتثميم لمتابعته. عندما يعتدي احدهم على مسيحيين او اي فئة مختلفة اخرى ويعاقبه القانون بصرامة بدعم جماهيري عام (وليس لارضاء الوصي)، عندها سيغمض جفننا اذ ستعيش جفنا آمنة.