ان طلب العلم هو اساس النجاح. والشهادة الجامعية (وكلما ارتفعت في درجتها طاب ذلك) هي المفتاح لمهنة أفضل لحاملها، وبالتالي لمدخول أعلى يقود الى حياة مترفهة. من الجهة الثانية تزينت مؤخراً صفحات المواقع الاجتماعية على الانترنت بصور المتخرجين، وهي فعلا تعبير عن الازدياد المطرد في عدد الحاصلين على الشهادات الجامعية من اللقب الأول والثاني والثالث في مجتمعنا العربي. ان هذا وليدٌ لسعي العائلات العربية في طريق العلم، فتراها ترسل ابناءها بحثاً عن العلم في الهند والسند، ولا يكتفون بذلك بل يطلبون العلم حتى في الصين.
ولكن- هل قادت هذه النهضة العلمية اللافتة الى حياة فردية وجماعية أرقى؟ يبدو ان الجواب لذلك هو بالسلب.
لا شك ان مستوى الحياة الفردية الاستهلاكية قد ارتفع بشكل ملحوظ. فالبيوت أكبر وعدد السيارات والتلفونات الخليوية الذكية في البيت الواحد أكثر، ورحلات السفر للاستجمام والسياحة في الخارج أكثر بكثير. ولكن لا يرافق كل ذلك التقدم الملحوظ في مستوى المعيشة تحسناً موازيا في حياة أرقى وأكثر نظاما وترتيبا وراحة بال. وانما بالعكس - نشهد اجراماً من قتل وسرقة واغتصاب. كما نشهد فوضى في البناء غير المرخص وفي أنظمة السير والخاوة والابتزاز والقمار والفوريكس واستقراض بالربى الفاحش من عناصر العالم السفلي وغيرها.
ان ذلك يقود الى نزوح كثير من شبابنا المتعلم الى مدن يهودية مثل حيفا وتل ابيب ونتسيرت عليت وكرميئيل وغيرها، وفي ذلك خسارة لتجمعاتنا السكنية. وآثر آخرون السكن في تجمعاتنا السكانية في حارات خاصة تحيطها اسوار عالية وتفصلها عن العالم الخارجي بوابة كهربائية لا تفتح مصراعيها الا بشيفرة يعرفها نزلاء الحي فقط.
أي تفسير لدينا لمثل هذا التفاوت بين ارتفاع درجات العلم العامة وازدياد أصحاب الشهادات من جهة وبين جودة الحياة اليومية، وكيف يمكن العمل على تقليص هذه الفجوة؟
اعتقد ان الجانب الأساسي هو فحص مبادئنا وقيمنا الفردية. فالأخلاق والآداب هي جوهر وقلب مجتمعاتنا وليس عماراتها الشاهقة.
في نهاية المطاف، تترجم قيمنا الفردية الى مواقف. وهذه المواقف المجتمعة لنا كمواطنين عرب في هذه الديار تقرر الى حد كبير الظروف التي نعيشها. للأسف، وبما يتعلق بمواقفنا العامة، فإننا نتعامل بازدواجية فنهتم بشؤوننا ومصالحنا الشخصية الفردية ولكننا لا نكترث للمصلحة العامة. فبيوتنا حديثة وتمتلئ من كل ثمين، ولكن المُلك العام مثل الشارع أو الساحة العامة بقربها يُترَكون مهملين "وتزيّنهما" الحفر وأحيانا النفايات ولا نحرك ساكنا. كما اننا وللأسف لا نحافظ على القيم التي تقدّر العمل الجاد ونظافة اليد فالمحسوبيات والوصولية تعتبر في نظرنا أهم من تلك القيم النبيلة.
في معجم اليوم- أصبح هذا:
"شاطر" - ويقصد بها انه يعرف ان يكسب الأموال حتى لو بطرق غير قانونية.
"واصل" - وهو يكون بالحقيقة مرتبط بجهات حكومية لأجل حفنة مال وبعض العلاقات.
"قوي" - وتعني انه لا يتورع ان يستغل غيره او يأكل حقه.
كما ننظر بإعجاب لمن يأخذ حقه بالقوة بذراعه مع انه في الحقيقة شخص عنيف لا يعرف الضوابط وامثاله هم آفة المجتمع.
نقول عن أحدهم "انه لا يهمه أحد" ونقصد انه شخص حر، لا يقيّده أحد ويفعل ما يشاء غير آبه بقوانين او رادع.
ان تقييمنا المتسم بالعجاب لبعض هذه الشخصيات هو نموذج حقيقي لقيم معوّجة يلاحظها الجيل الجديد ويسير أحيانا كثيرة في اعقابها.
اما الوصف "ايدمي" (وهي بالأساس "بني آدم" وامست "ايدمي" بالعامية) فقد أصبح نوعا من الذم. فهو في نظرنا شخص بسيط أو ساذج يحترم القوانين ويعامل الآخرين باحترام. ولكننا نعتبره ما زال متمسكاً بمثاليات لا تنفع لأيامنا.
بكلمات أخرى- نعجب بأناس بذات الصفات التي هي سبب بؤس حياتنا العامة ونستخف بالشخصيات التي هي أسس لحياة مجتمعية سليمة نصبو اليها.
إذا أردنا حياة عامة أفضل فلا بديل من وقوف كثيرين لأجل القيم الصحيحة التي تضع الأمانة والصدق والنشاط والاستقامة في مكانها الصحيح.