في حوار دار بيني وبين أحدهم سألني: كيف تتأكد ومن الكتاب المقدس أن ما تؤمن به هو التفسير الصحيح؟ فأجبته وبكل هدوء من نبوءة النبي دانيال عن السبعين أسبوعاً، فسكت. مع العلم أن اللاهوت التدبيري(1) يستند وبشكل أساسي في تفسيره على فرضية الأسبوع السبعين الأخير. فما هي حقيقة نبوءة السبعين أسبوعاً؟ وما هي قصّة الأسبوع السبعين الأخير؟
لقد فهم النبي دانيال من الوحي الذي كتبه النبي إرميا، أن خراب أورشليم نتيجة لسبي بابل، سينتهي في سبعين سنة. ولهذا توجّه بالصلاة والتضرع إلى الله معترفاً بخطاياه وخطايا الشعب، وتحدث عن الدينونة التي أوقعها الله عليهم. وبينما هو في هذه الحالة ظهر له الملاك جبرائيل، وكشف له عمّا سيصيب شعبه في المستقبل. وأبلغه أن: «سبعين أسبوعاً قُضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدّسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفّارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوّة ولمسح قدوس القدوسين»(2). واضح من هذه النبوءة أنها تتحدث عن المدة التي ستستغرق حتى مجيء المسيح وإتمامه لعمل الفداء، بالتكفير عن خطية الشعب، ولكي يُعلن البر الأبدي، ويختم في نفس الوقت الرؤيا والنبوّة، أي يعلن انتهاء الرؤيا الالهية واكتمال النبوّة. ويُمسح المسيح الذي هو قدوس القدوسين, إذا إن هذه النبوءة هي وحدة كاملة متماسكة، تمتد لفترة سبعين أسبوعا، لا نستطيع الفصل بين أجزائها.
إن الأسبوع النبوي هنا كناية عن سبع سنوات، وهكذا 7x70= 490. أي يجب أن تمر 490 سنة إلى أن يأتي المسيح ويُكمل عمله بالنسبة للشعب القديم. ثم قسّمت النبوءة فترة السبعين أسبوعاً إلى ثلاث مراحل: حيث تحدّثت أولا ً عن المرحلتين الأولى والثانية: «من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً»(3) والمجموع 69 أسبوعاً، 483 سنة. وقد بدأت هذه الأسابيع عام 457 قبل الميلاد. والإشارة هنا أنه لا بد أن يأتي المسيح الرئيس– ولنلاحظ وصف النبوءة له بالرئيس- عند نهاية الـــ 69 أسبوعاً. وهو الذي تحقق عام 26 ميلادية عندما بدأ المسيح كرازته. ثم تحدّثت النبوءة ثانياً عن المرحلة الثالثة، الأسبوع السبعين الأخير عندما قالت: «وبعد اثنين وستين أسبوعاً – أي في الأسبوع السبعين الأخير- يُقطع المسيح وليس له»(4). وقد تمتّ النبوءة بموت المسيح على خشبة الصليب، خلال هذا الأسبوع الأخير.
ثم أخبرتنا النبوءة عن مصير مدينة أورشليم والهيكل لأنهما كانا من صلب الموضوع الذي أتى الملاك جبرائيل ليخبر النبي دانيال به. فتحدثت النبوءة عن «شعب رئيس آت يخرب المدينة (أورشليم) والقدس (الهيكل)، وأنه إلى النهاية حربٌ وخِرَبٌ قُضي بها»(5). أي تنبأت عن خراب أورشليم ودمار الهيكل الذي حصل عام 70 ميلادية على يد تيطس الروماني، الذي أصبح امبراطوراً فيما بعد.
ثم عادت النبوءة لكي تتحدث لنا بأكثر تفصيل عن هذا الأسبوع السبعين الأخير (بعد 69 أسبوعاً)، وعن المسيح الذي هو محور النبوءة «ويثبت عهداً مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يُبطل الذبيحة والتقدمة»(6). أي سيثبت المسيح عهداً مع كثيرين من الشعب اليهودي، ويُبطل في وسط الأسبوع الذبيحة والتقدمة، أي بعد ثلاث سنوات ونصف من بدء خدمته. ويعلن بذلك انتهاء عمل الهيكل وبشكل نهائي. وفعلاً، أي عند اكتمال 69 اسبوعاً(483 سنة) بدأ المسيح خدمته حوالي عام 26 ميلادية كما ذكرت قبل قليل. واستمرت خدمة المسيح بين الشعب اليهودي ثلاث سنوات ونصف، وعندها أي في وسط الأسبوع، تمّ صلبه وموته، ثم قيامته المجيدة الظافرة، وهكذا أبطل المسيح الذبائح في الهيكل وبدأ العهد الجديد، وتحققت بالتالي وعود الله من خلال ملكوته وكنيسته.
لكن، ماذا يقول لنا اللاهوت التدبيري عن هذه النبوءة؟ إنه يفصل بافتراض خاطئ الاسبوع الأخير السبعين عن باقي الأسابيع الــ 69. ويقول إن هذا الأسبوع سيتحقق بعد ما يسمونه بحادث اختطاف الكنيسة السّري(7). والسبب لكي يعود الله ويتعامل مع شعب إسرائيل في فترة خاصة به. ولهذا لا بدّ أن يُبنى الهيكل في أورشليم ثانية، ويُعاد تقديم الذبائح فيه، ويقيم الوحش الصاعد من روما ومعه النبي الكذاب (اتحاد الدول الأوروبية العشر) معاهدة مع إسرائيل، لكي ينقضها ويُبطل الذبائح في الهيكل، في وسط الأسبوع، أي بعد ثلاث سنوات ونصف. وعندئذ تحصل الضيقة العظيمة(8) على شعب إسرائيل في النصف الثاني من هذا الأسبوع. مع العلم كما يقول التفسير التدبيري، أنه خلال هذا الأسبوع ستكرز البقية اليهودية المؤمنة بإنجيل الملكوت(9). أي أن المسيح سيأتي ليملك على الأرض.
حقاً، إنه تفسير غريب لنبوءة السبعين أسبوعاً و لكلمة الله. والسؤال: كيف بإمكاننا أن نفصل الأسبوع الأخير من هذه النبوءة عن باقي الأسابيع لأكثر من ألفي سنة حتى الآن، والتي هي وحدة كاملة متماسكة لا تنفصم كما رأينا؟ وكيف بإمكاننا تجاهل ذبيحة المسيح الكفارية التي أتى من أجل إتمامها، وهي صلب الموضوع في الأسبوع السبعين؟ أو لم يُبطل المسيح الذبائح في الهيكل عندما قدّم نفسه ذبيحة على الصليب؟ أو ليس هذا ما يكشفه لنا ويؤكده سفر العبرانيين بمعظم أصحاحاته وبكل وضوح؟(10)
1- اللاهوت التدبيري هو الذي يؤمن بأن الله يتعامل مع الإنسان من خلال سبعة تدابير، ويركز على العلاقة بين الله وشعب إسرائيل. مع العلم أن هذا اللاهوت ظهر عام 1830 ميلادية، ولم يكن معروفاً سابقاً.
2- سفر دانيال24:9.
3- سفر دانيال25:9.
4- سفر دانيال26:9أ.
5- سفر دانيال26:9ب.
6- سفر دانيال27:9أ.
7- الاختطاف السّري: هي عقيدة تؤمن أن الله سيخطف المؤمنين بالمسيح فجأة وبشكل سرّي من العالم، قبل ظهور المسيح العلني للعالم بسبع سنوات. للمزيد عن هذا الموضوع الرجاء العودة إلى مقالتي في هذا الموقع تحت عنوان: «حقيقة عقيدة الاختطاف السّري»، والتي نُشرت في 21 من شهر أيار (مايو) عام 2018.
8- يعتبر التفسير التدبيري أن «الضيقة العظيمة» ستتم في المستقبل على شعب إسرائيل بشكل خاص، بعد اختطاف الكنيسة. مستنداً في ذلك على استنتاجات خاطئة من حديث المسيح لتلاميذه في بشارة متّى أصحاح 24، ومن سفر الرؤيا. للمزيد عن هذا الموضوع أرجو مراجعة مقالتي في هذا الموقع تحت عنوان: «بشارة متّى الأصحاح الرابع والعشرون». والتي نُشرت في 18 أب (أُغسطس) عام 2018.
9- «إنجيل الملكوت» بالنسبة للتفسير التدبيري هو غير انجيل الخلاص بالنعمة. أيضاً يمكن العودة إلى مقالتي حول هذا الموضوع في هذا الموقع، تحت عنوان: «ما هي بشارة الملكوت؟ وهل هي إنجيل آخر؟» والتي نُشرت في 30 كانون الثاني(يناير) عام 2018.
10- أرجو مراجعة سفر العبرانيين وخاصة أصحاحات 7-10.