هرب (يعقوب) من يدِ شقيقه (عيسو) إلى بيت خاله (لابان) في حاران ناجياً بحياته. شعر أن الحياة تبتسم له وهو يرى بعين الحب (راحيل) إبنة خاله! أكيد شعر بوغزات الحب وهي تخالج نبضات قلبه، الخائف من ملاحقة شقيقه له الساعي لقتله. عندما وقعت أنظاره على فتاة جميلة الوجة وحسنة المنظر.. قال قلبه له: دعك من الخوف ففي لقاء هذه الفتاة أمان وسلام. هيا إنس (عيسو). هيا يا مُحب أفرح بلقاء فتاة ليست تحمل على كتفها جرتها فحسب، بل تحمل في صدرها قلباً من أول نظرة عرفك! أنك المحب الذي تنتظره. أنها حبيبة القلب (راحيل) وهي تحمل على كتفها جرة الماء لتدلوها في البئر فتغرف منها ماء صافياً نقياً حتى تسقيك، كأنها تسقيك لحظات حب يملأ عليك حياتك بالسلام. هيا أشرب ماء هذا البئر الذي شرب منه (أليعازر الدمشقي) يوم كان في مهمة طلب يد (رفقة) لـ (إسحاق).
لحظة صمت (يعقوب) فيها، بينما (راحيل) مقبلة صوب البئر، ليقول في نفسه: هل الحب قادرٌ أن يمنحني السلام؟ هل الحب قادرٌ أن يٌنجيني من سيف (عيسو)؟ هل الحب قوة، ثباتٌ، تجددٌ، نجاة بل وخلاص..؟ " لأنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. يوحنا٣: ١٦" يا الله كم أنت تحبني! ها أنك تمنحني الحب بينما أنا مُخادعٌ.. ها أنك تأخذني إلى أرض لم تطأها قدميَّ، لتفتح عينيَّ حتى تمتلأ نظراتي بمنظر وجه جميلٍ لم أرَ مثله في كل أرض كنعان. لكن يا الله لماذا أنا خائفٌ؟ يا الله لا تتركني.. يا الله.. تقدمت منه (راحيل) ليقول لها:
- أنا يعقوب إبن عمتك رفقة.
أرادت أن تزغرد. لكن الخجل أسكت زغرودتها بين شفتيها. ليتقدم منها (يعقوب) يحضنها ويُقَبِّلها. قادته إلى بيت أهلها؛ وكلها فرح دون أن تنسى قطيع غنمها! بل غدا حتى القطيع سعيداً بلقاء راعيته بإبن عمتها؛ وصل كلاهما سوية مرابض خيام أهلها ليدخل (يعقوب) خيمة أهلها كدخول اللاجئين اليوم إلى بلدان المهجر ناجين بأرواحهم من حكومات أصبح المواطن في أنظمتها فاقد الأهمية. . دخلها كما يدخل اليوم مسيحيو الشرق كنائسهم غير مبالين ما يهدد حياتهم.
إرتاح (يعقوب) كيف لا وهو ينظر وجهاً حسناً.. وهو يجلس بين أقربائه غير خائف من مَن توعده وهدده. ما أن إرتاح حسب عادات الضيافة، تقدم وقبل بكل شروط والد مَن أحبها قلبه. قبل بكل شروط خاله ليحمل المجرفة والمعول ويخرج إلى الأرض فلاحاً له قوة من قوة الله، ويدان من يديِّ أبيه (إسحاق). عمل طيلة النهار وهو يصارع الأرض من أجل أن ينال رضا خاله. لكن سعادته لم تدم حيث سقطت على أرض غرفة ليلة زفافه! بعد أن قدم مهراً هو عمل سبع سنين لأجل الإقتران بمن أحبها! عندما رفعت العروس البرقع عن وجهها! ليقول لها منذهلاً:
- ماذا تفعلين هنا يا (ليئة)؟! أين حبيبة القلب (راحيل)؟
لم ييأس. عاد وعمل سبع سنين أُخَر مهراً ثانياً! قدمه (لراحيل) لتُسكن قلبها في صدره. تلك التي لم ييأس في الوصول إلى هودجها، متجاوزاً كل خدع والدها! حبيبة من رحمها وِلد (يوسف).
لم يبق الله اللاجىء (يعقوب) في حاران! بل طلب منه أن يعود إلى أرض كنعان حيث أهله. دون أن يعلم خاله أو حماه (لابان)! جمع كل ما إقتناه مع زوجتيه وجارياته وخدمه ومواشيه و.. و. وإرتحل هارباً من وجه (لابان) المخادع.
اذا به يقع بين جيشين معاديتين له، رجال (عيسو) أخوه ورجال (لابان)! ليسأل الله متوسلاً! وهو يصرخ من أعماقه وقد رفع عينيه إلى السماء مصلياً:
" يَا إِلهَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَإِلهَ أَبِي إِسْحَاقَ، الرَّبَّ الَّذِي قَالَ لِيَ: ارْجعْ إِلَى أَرْضِكَ وَإِلَى عَشِيرَتِكَ فَأُحْسِنَ إِلَيْكَ. نَجِّنِي مِنْ يَدِ أَخِي، مِنْ يَدِ عِيسُوَ، لأَنِّي خَائِفٌ مِنْهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَضْرِبَنِي الأُمَّ مَعَ الْبَنِينَ. تكوين٣٢: ١١".
نعم نجَّا الله (يعقوب) "فَرَكَضَ عِيسُو لِلِقَائِهِ وَعَانَقَهُ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ، وَبَكَيَا. تكوين٣٣: ٤". نعم نجا الله يعقوب "وَأَتَى اللهُ إِلَى لاَبَانَ الأَرَامِيِّ فِي حُلْمِ اللَّيْلِ وَقَالَ لَهُ: احْتَرِزْ مِنْ أَنْ تُكَلِّمَ يَعْقُوبَ بِخَيْرٍ أَوْ شَرّ. تكوين٣١: ٢٤". بقي (يعقوب) وحده، ليدخل في مصارعة مع " إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. تكوين32: 24". إنكسر (يعقوب) جسدياً " فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. تكوين32: 25". اذا بـ(يعقوب) ينهض بقوة الله سعيداً ليطلب متوسلاً ":لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي."تكوين32: 26 ". إنتصر يعقوب روحياً فتغير إسمه من (يعقوب)، ماسك العقب، إلى " إِسْرَائِيلَ، تكوين32: 28" أمير الله.
هيا يا كل أخوتنا في الرب نُسعِد قلب الله.. ننتظره. ندعوه حتى يُغيرنا كما تغير (يعقوب).
بقلم/ مارتن كورش تمرس لولو
الطالب في كلية بيت لحم للكتاب المقدس