تحدّث لنا كاتب سفر العبرانيين في الأصحاح التاسع عن فرائض العهد القديم المتعلّقة بالهيكل وخدمة رئيس الكهنة. وختم قائلاً: أن تلك القرابين والذبائح...«قائمة بأطعمة وأشربة وغسلات مختلفة وفرائض جسدية فقط، موضوعة إلى وقت الإصلاح»(1). وفي ترجمة التفسير التطبيقي نقرأ هذه الآية كما يلي: «بل إن كل ما ضمّه ذلك النظام، –أي نظام العهد القديم- كان قوانين جسدية ينتهي عملها حين يأتي وقت الإصلاح». ثم أكمل الكاتب حديثه عن المسيح الذي جاء رئيس كهنة للخيرات العديدة، وأنه دخل بدم نفسه مرة واحدة، إلى المسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد، أي إلى الأقداس في السماء، فوجد فداء أبدياً(2).
إن كلمة إصلاح تعني الغاء القوانين السابقة المعمول بها، وإدخال نظام جديد يحل مكان النظام القديم. ويخبرنا سفر العبرانيين أن فرائض العهد القديم، بما فيها الهيكل وخدمة رؤساء الكهنة، كانت فقط موضوعة إلى وقت الإصلاح. وكما عبّرت الترجمة التفسيرية: ينتهي عملها حين يأتي وقت الإصلاح. هذا الإصلاح الذي قام به الرب يسوع المسيح نفسه إذ صار هو رئيس الكهنة الحقيقي، الذي قدّم جسده فدية عن الجنس البشري بموته الكفاري على الصليب، فصار هو الذبيحة الحقيقية. ثم دخل إلى الهيكل الحقيقي في السماء، الذي أقامه الله. وبعبارة أخرى لقد أنتهى عهد الفرائض والذبائح الحيوانية، وانتهت بالتالي وظيفة رؤساء الكهنة. واكثر من ذلك لقد انتفت ضرورة وجود هيكل أرضي لله تقدّم فيه الذبائح في أورشليم.
والعجيب في الأمر أن هذا الإصلاح قام به الله نفسه. فكما أعطى الله في القديم شعب إسرائيل الوصايا والفرائض ودعاهم إلى بناء خيمة الإجتماع ثم الهيكل، أعلن الله عن طريق مجيء الرب يسوع المسيح، بدء الإصلاح وقيام نظام جديد. وقد سبق للرب يسوع المسيح أن أعلن عن مجيء وقت هذا الإصلاح، عندما قال للمرأة السامرية: «يا امرأة صدّقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب... ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق... الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا»(3). لقد أكّد المسيح أن العبادة الحقيقية لله لن تكون في الهيكل بأورشليم، بل ستكون منذ الآن بالروح والحق. ولقد خاطب أول شهيد في المسيحية وهو استفانوس اليهود قائلاً: «لكن العليّ لا يسكن في هياكل مصنوعات الأيادي. كما يقول النبي: - مقتبساً من النبي إشعياء- السماء كرسيٌّ لي والأرض موطئٌ لقدميَّ. أيَّ بيت تبنون لي يقول الرب، وأيٌّ هو مكان راحتي»(4). مع العلم أن كلمات استفانوس هذه قد كلفته حياته.
هل تعلم قارئي أن الهيكل كان أساس ومركز العبادة لشعب إسرائيل في القديم؟ وأن إزالة هذه العبادة في الهيكل تعني إنهاء العلاقة الخاصة التي كانت تربط شعب إسرائيل بالله؟ إن شعب الله اليوم هو كل من يؤمن بالرب يسوع المسيح من كل قبيلة وشعب ولسان وأمة. لكن مع الأسف وبالرغم من كل هذه الحقائق الواضحة في العهد الجديد، ما زال البعض مصراً على إعادة عقارب الساعة الفي سنة إلى الوراء، وإلى العودة إلى ما قبل الإصلاح الذي تمّ. فيزعمون أن الهيكل سيُبنى ثانية في أورشليم، وأن الذبائح الحيوانية ستعود. والهدف لكي يعود الله ويتعامل بشكل خاص مع شعب إسرائيل. لكن سفر العبرانيين أكّد لنا أن الإصلاح الذي قام به الله نفسه قد تمّ، وأن النظام الذي كان قبل الإصلاح قد توقف العمل به إلى الأبد.
ولهذا اعتبر كاتب سفر العبرانيين أن المسيح أتى كوسيط للعهد الجديد. وأن الفرائض والمراسيم وتقديم الذبائح الحيوانية في الهيكل، كانت رمزاً وإشارة وظلاً إلى المسيح رئيس الكهنة الحقيقي الذي دخل إلى الأقداس مرة واحدة في السماء بدم نفسه(5). وتحدّث كاتب سفر العبرانيين في الأصحاح الثامن بالتفصيل عن العهد الجديد(6) الذي أقامه الله مع كل المؤمنين بالمسيح. وأكّد أن فرائض ومراسيم العهد القديم قد عتقت وشاخت وبالتالي اضمحلت وزالت(7). ولعلّ بعض الأسئلة التي تتوارد إلى الذهن هي: هل من الممكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وكأن الإصلاح لم يتم؟ وهل من المعقول أن يعيد الله نظاماً ألغاه وأحل مكانه نظاماً جديداً ولو بصورة مؤقتة كما يدّعون؟ حتى ولو قدّمت الذبائح من جديد فهل تكون مقبولة لدى الله؟ لا سيّما أن المسيح قد صار هو الذبيحة الحقيقية التي قُدّمت عن الجنس البشري بأكمله.
- الرسالة إلى العبرانيين 10:9.
- الرسالة إلى العبرانيين 11:9و12.
- بشارة يوحنّا21:4-24.
- أعمال الرسل48:7-49؛ إشعياء1:66.
- عبرانيين23:9-24و5:8-6.
- راجع مقالتي: «العهد الجديد ومكانته» المنشورة في هذا الموقع في 2 من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2018.
- الرسالة إلى العبراينين13:8.