يحبُ السَّيدُ المسيح وأتباعه كلَّ فلسطينيٍّ ويهوديٍّ دون استثناء. ونقف كمسيحيين مع الحق والمظلوم لأن الله محبة وقدوس. فلا يعقل أن نعبد الله ونهين خليقته. ولا نستطيع أن نكون مسيحيين حقيقيين بدون مسيح المحبة والعدالة والقداسة. ولا نستطيع تبرير العنصرية والقبلية والأنانية الإثنية باسم الله وإنجيله. لهذا ندافع عن الحق بسبب التزامنا بالمسيح ومحبته وعدالته وليس بسبب انتماءاتنا السّياسية الزمنية. انتماؤنا السياسي كمسيحيين له بعد أبدي إذا كان في المسيح ولمجده. وأي توجه سياسي لا يتجذر في نشر مملكة المسيح ومحبته وبره وعدالته وقيمه ليس مكانه الكنيسة أو العبادة الكنسية.
بسبب هذا المنظور، اعتقد أن الإثنيةَ الكنسية تحرمُ بلادَنا من اكتشاف قلبِ الله الإرسالي وإنجيلَه الشُّمولي. فدعوني أوضّح رأيي بشرح موقفين، واحد فلسطيني والآخر يهودي إسرائيلي. يسعى عددٌ من أتباع المسيح اليهود إلى التَّشديد على خطة الله لليهود وتجاهل خطة الله للفلسطينيين. والنتيجةُ هي منظورٌ ضيقُ الأفق يساومُ على مركزية محبة الله وشموليتها لكلِّ الشعوب. وتحوّلت رسالةُ الكتاب المقدّس إلى برنامجٍ سياسيٍّ يرتبط بما يعمله الله في دولة إسرائيل المعاصرة. وصار الإنجيلُ المقدسُ كابوساً سياسياً للفلسطيني. ولقد كتبت عن هذا الأمر عشرات المرات ولا داعي للتكرار.
ولكنني اليوم سأتحدث عن الإثنية الكنسية الفلسطينية. بدأت بعضُ اجتماعاتنا الكنسية تكتسي بغلافٍ سياسيٍّ. ليست السِّياسةُ بذاتها شراً ولكننا يجب أن نُقيّم الأمورَ لنفحص توافقها مع الإنجيل وقيمنا المسيحية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا اعترض على وضع علمٍ فلسطيني في احتفالاتنا الكنسية في المناطق الفلسطينية. عدم اعتراضي لا يعني تأييدي لهذا العمل. أوافق أن شعبنا وهمومه يجب أن تكون جزءاً من اهتماماتنا وصلواتنا. ولكنَّنا يجب أن نحرص على مركزية المسيح وتعاليمه ونخصص كنائسنا واحتفالاتنا الكنسية لهذه المركزية. ومن هذا المنطلق فقط نحتضن شعبنا وهمومه.
ولهذا اتساءل كيف يتوافق وضع النشيد الوطني الفلسطيني في احتفالاتنا الكنسية مع تعاليم السيد المسيح. ليس هدفي الاستخفاف بالانتماء الفلسطيني. فأنا افتخر بهذا الانتماء. ولكن هدفي هو تقييم هذا الانتماء وأي انتماء آخر بتعاليم وتعليمات ربنا يسوع المسيح. فعندما نظرت إلى كلمات النشيد الوطني الفلسطيني وجدت أنَّه يشجع نار السلاح والكفاح العسكري. وجدت أنه يسمح بالثأر من الأعداء وبقتلهم. ووجدت أن يمنح الانتماء السياسي شأناً عظيما يقترب من تأليه المقاومة المسلحة والوطن الأرضي. ورغم أنني أؤيد قضية الفلسطينيين العادلة ونضالهم ضدَّ الشّر بطُرق سلمية إلا أنني لا أستطيع أن أوافق مع أخلاقيات وافتراضات النَّشيد الوطني الفلسطيني. ولا اعتقد أن مكانه المناسب هو العبادة الكنسية.
وأريد أن أؤكد أننا يجب أن نحب شعبنا كما أحبهم السّيد المسيح ويجب أن ندافع عن الفقير والمحتاج والمظلوم كما فعل السّيد المسيح. وعندما أتأمل في رسالة المسيح أجدُ أنَّ حبه لشعبه لم يكن أقصائيا. أراد أنْ يُمكّنهم أن يحبوا كلَّ الشُّعوب من حولهم. وهكذا وُلدت المسيحية ومحبتها للوطن والخليقة. إن حُبَنا للفلسطيني كمسيحيين يجب أن يُنتج حب اليهودي. فلا نختزل حديثَنا في عبادتنا عن هموم شعبنا بل نمتد بالحديث فنشرح رسالتنا الإرسالية. نحن مدعوون أن نكون رسالة حبٍ وخلاص للفلسطيني واليهودي أيضاً. وليس همنا الأوَّل الانجاز السِّياسي بل العدل الإلهي سواءً أكان سياسيا أم اجتماعيا أم غير ذلك. هذا العدل هو أكثر بكثير من دولة. هو حضارة المحبة والعدالة والسلام التي تتجسد في ربنا يسوع المسيح. المسيح قاهر الظلم والكراهية ورسول المحبة الشمولية. له وحده كل المجد.