يتحدَّث الجميعُ عن الكورونا في هذه الأيَّام. هذا الفيـروس الفتَّاك. إنَّه رسولُ المرض. هو وبأٌ قاتل. هو خادم الموت الذي يقف على بعد لحظة واحدة. وينتشر الذعر والخوف والقلق. وينجّر المسيحيون إلى دائرة الهلع والاستسلام لسيادة الكورونا. اعتقد من كل قلبي أنَّ الكتاب المقدس يدعونا أن نتصرف بشكل مغاير. وسأوضح ذلك ببعض المبادئ المسيحية.
أولا، نحن نؤمن بسيادة الله المطلقة على كل الكون. فإننا به "نحيا ونتحرك ونوجد" (أعمال 17: 28). فلا نعيش لذاتنا ولنجاحنا ولتحقيق انجازاتنا، بل نعيش للرب سيد الكون. "ليس أحد منا يعيش لذاته، ولا أحد يموت لذاته. لأننا إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت. فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن" (رومية 14: 8). وسيادة الله القادر على كل شيء أعظم من كل مرض ومن كل هجوم ومن كل أداة موت. ويشجعنا الكتاب المقدس قائلا: "شعرة من رؤوسكم لا تهلك" (لوقا 21: 18).
ثانيا، يدعونا الله أن نحارب القلق والخوف والانجرار وراء عقلية الأمم التـي لا تعرف الله كأبٍ سماوي محبٍ. فيقول لنا الكتاب المقدس: "لا تهتموا"، أو لا تقلقوا بحاجات الجسد (متـى 7: 31)، ولكن اسعوا إلى خدمة الله ونشر سيادته (متـى 7: 33). ولا تهتمُّوا للغد لأن الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره (متـى 7: 34). ولا نخاف من الأوبئة بل نتمسك بقول الرب: "لا تخشى من خوف الليل، ولا من سهم يطير في النهار، ولا ومن وبأ يسلك في الدجى، ولا من هلاك يفسد في الظهيـرة" (مزمور 91: 5 – 6).
ثالثا، يدعونا الله في زمن الأوبئة والأمراض أن نتوجه إليه. يقول الكتاب المقدس: إذا جاء علينا وبأٌ وصرخنا إلى الرب فإنه يسمع ويخلّص (2 أخبار الأيام 20: 9). فهو الأبُ الحنون وهو سامع الصّلاة. فنسأل ونطلب ونقرع أبواب السَّماء. ويجب أن تكون الصلاةُ محددةً وتتعامل مع الطائرات والمسافرين والمحجورين والمستشفيات والأعمال والاقتصاد والتجمعات البشرية. وتتفاكر صلواتنا متأملةً في دور الكنيسة في نشر السلام والعدالة والأمان في زمن انتشر فيه الذعر. فكيف تكون الكنيسة عنواناً لكل مريض ومصاب، وتكون الكنيسةُ حضناً لكل متعب وخائف. وكيف نساعد البشر أن يتجاوزوا التفكير في الذات بأنانية ويبدأوا التفكير بتقديم الذات لخدمة الله وخليقته.
رابعا، زمن الأوبئة هو زمن التوبة. فعندما نرى هلاك الكثيـرين بسبب الأوبئة يجب ألا ندين النَّاس بل أن نتواضع أمام الله. قال السيد المسيح: "إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون" (لوقا 13: 5). لنسأل الله أن يرحمنا ويرحم بلادنا ويرحم العالم. ولنعلن أن اللهَ ملجأُنا في كل جيلٍ (مزمور 90: 1).
أخيراً يا أحبائي، لا يدعو هذا المقال إلى الإهمال وعدم الحرص بل العكس هو الصحيح. اهمال الله ومشيئته هو الخطر الحقيقي لكل إنسان. اهمال محبة الله من كل الفكر والعقل خطر داهم. نحن لا ندعو إلى الجهل بل إلى التمسك بالعلم الذي يحتضن الإيمان والعلاقة الصحيحة مع الله. والراحة والسَّلام نجدهما في المسيح. المسيح أعظمُ من الصحة وسيد الكون. ثق به وسلم نفسك له. وكن بركة زمن الكورونا بدلا من أن تكون خائفاً ومرتعداً ومختبئاً. ارفع قلبك لله واخدم بمحبة المسيح وجرأة الإنجيل. فمن يكسب المسيح يستهين بسلطان الكرونا وحتـى بالموت نفسه. ومن لا يعرف المسيح يخسر كل شيء حتى ولو كان في كامل صحته. يا رب ارحم بلادنا واشفِ سكان البلاد من أمراض الجسد وأمراض الروح أيضاً.