تشهد أيامنا أزمنة صعبة، فلأول مرة بتاريخ البشرية يضرب الأرض وبأ يكتسح كل القارات، والعجيب أن هذا الوبأ غير منظور من جهة، ومن جهة أخرى حيّر بل وأرعب العلماء والأطباء والعلمانيين، وطبعا الكثير من البشر.
قد نقول الكثير ونسمع الكثير من ردود الفعل حيال هذا الوبأ، منها الدرامية ومنها المضحكة، ولكن من الواضح أن العالم "وقف على رجليه"، وحضرني في هذا الموقف أمرين: أدركت كم هذا العالم صغير وكم هو ضعيف ! فعلى الرغم من التطور الذي ارتقاه الانسان في شتى المجالات، نراه يقف عاجزا أمام عدو غير مرئي بالعين المجردة، كالضرير الذي يقف أمام جيش عات لا يرحم ولا يشفق على من هو قبالته.
في الآونة الأخيرة بالذات اجتاحت الأرض كوارث طبيعية كثيرة، أودت بحياة الكثيرين وحصدت الآلاف من البشر، كالتسونامي والهوريكان والزلازل والعواصف وغيرها، والمميز في كل هؤلاء أنها اقتصرت على مناطق محددة في بعض زوايا المعمورة، أما الآن فنحن في صدد كارثة "هادئة" لا تُحدث "ضجة" كالكوارث المذكورة، ولكنها تتحرك وتنتشر بسرعة دون أن نشعر بوجودها، ولا تميز بين عربي أو يهودي أو صيني أو أمريكي أو أبيض أو أسود أو فقير أو غني، فتدخل وتقتحم الجسد عنوة وعلى حين غرة دون إذن أو تحذير.
كما ذكرنا في مطلع الكلام، لم تشهد البشرية، لغاية الآن، وبأ بهذا الحجم وهذا الوساع، الذي شمل كل زوايا الأرض، من المشرق والمغرب والشمال والجنوب، وهذا العدو غير المرئي سجن الكثير من البشر ودبّ في قلبهم الرعب والحيرة والاضطراب، ضاربا بالتكنولوجيا والعلم والحضارة عرض الحائط، فكيف نحارب عدوا مخفيا وكيف نقاوم فاتكا لا نراه؟!
إن خطورة هذا الوبأ تكمن في سرعة انتشاره كانتشار النار في الهشيم، ولا بد من تذكير ما حذرنا وأنبأنا به الرب من علامات آخر الأيام: أوبئة ومخاوف واضطراب وكرب أمم بحيرة (متى 24: 7، لوقا 21: 11، 25).
يقول النبي أشعياء:
"2. كما تشعل النار الهشيم وتجعل النار المياه تغلي لتعرف اعداءك اسمك لترتعد الامم من حضرتك. 3. حين صنعت مخاوف لم ننتظرها نزلت تزلزلت الجبال من حضرتك" (أشعياء 64: 2-3).
يسمح الرب بإشعال النار، والتي لا تطفئها المياه، بل بالحري النار هي التي تجعل المياه تغلي، تلك النار التي لحست مياه الذبيحة أيام إيليا في جبل الكرمل، لماذا؟ ليعرّف اللهُ أعداءه باسمه، فيسمح الرب بانتشار النار والمرض والوبأ وصنع المخاوف غير المتوقعة كي تلتفت الناس إليه، لأن مجيئه قريب، وهو يحب خليقته ويريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون!!!
نداء الصلاة والصوم في هذه الأيام بالذات لهو في مكانه، كي يرفع الرب هذا الوبأ عن الأرض، وبذات الوقت ليستخدم الرب هذا الضيق لخلاص ورجوع الكثيرين إلى حضرته، بالدموع والبكاء والتوبة، ليعلم البشر، كل البشر، أن الرب هو الله وهو المتسلط في مملكة الناس خليقته، هو القادر أن يجعل أمة تولد بيوم، هو القادر أن يتوّب نينوى بأسرها، وبالتالي يسمع كل انسان بخلاص المسيح قبيل مجيئه الثاني، فلا بد أن يُكرز ببشارة الملكوت في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم، ثم يأتي المنتهى.
نداء لنرفع رؤوسنا، لأن الحقول قد ابيضت للحصاد، ولنطلب من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده. نداء كي يتواضع شعب الرب الذي دُعي اسمه عليهم، يصلي، يطلب وجه الرب، يرجع عن طرقه الردية، فيسمع الرب من السماء ويغفر خطيتنا ويبرئ أرضنا (2 أخبار 7: 14).