يسوع الشافي (متى 8: 1 – 17)
يُقدّم لنا القديس متـى ثلاثَ قصصٍ متواليةٍ ليُبـرهـن لنا أنَّ يسوعَ المسيح هو الشَّافي. يتحدَّث أولاً عن الأبرص الَّذي جاء إلى المسيح. ويُعتبـرُ الأبرصُ نجساً. وتطلبُ شريعةُ موسى منه أن تكون ثيابُه مشقوقةً وأن يكون رأسُهُ مكشوفاً ويجب أن يغطي شاربيه وينادي: نجس، نجس (لاويين 13: 45). وكان يقيم وحده منعزلاً. عانى الأبرصُ من المباعدة الاجتماعية. ولكنه جاء إلى المسيح. وجاء ليسجد كما جاء المجوسُ، ولكنه بدون هدايا. لا يملك إلَّا ألمه. طلب المعونةَ من المسيح. فاستجاب ربُّ الحنان له. وقال: أريد فاطهر (متـى 8: 3). وأنهـى المسيح المباعدة الاجتماعية طالباً من الأبرص أن يذهب إلى الهيكل ويثبت شفائه الجسدي والاجتماعي والديني.
ثانياً، بعد الحديث عن المهمّش الأوّل الذي يُعاني من المباعدة الاجتماعية، يقدم القديس متـى إنساناً متميـزاً ولكنَّه محكومٌ عليه بالدُّونية. كان ضابطاً ومسئولاً عن مئة جندي. كان في جيش روما ولقد أذل هذا الجيش شعبَ الله وسلب البلاد. كان الجيش الروماني مكروهاً ومرذولاً. اضف إلى ذلك، امتلأت روما بالوثنية. كلُّ روماني متهمٌ بمعاداة الله. ويجب أن يعتـزل اليهودي عن أمثال هؤلاء لأسباب دينية وسياسية واجتماعية. وبسبب هذا الابتعاد تطورت عقلية التفوق. وصار الكثيـرون يعتبـرون الأمم أدنى رتبة منهم. وهوذا يأتي ضابطٌ مسئول عن مئة جندي من جنود الأعداء. لقد مرض أحد سكان بيته فجاء إلى يسوع يطلب المساعدة. أنجده ربُّ الكون. وشفى غلامه. أعطاه أكثـر مما سأل. فلقد جعل إيمانه نموذجاً يُحتذى به. وتحدى يسوع عقلية التفوق ودافع عن الضابط المُتهم بالدونية في قلوب الكثيـرين. وصرّح المسيح أن شعوب العالم أجمع ستنضم إلى إبراهيم بينما سيُطرد خارجا من يظن نفسه بأمان ويعيش بتكبرٍ.
ثالثا، يقدم القديس متـى قصةً أخرى عن الشفاء وهي شفاء حماة بطرس. دخل المسيح بيت بطرس ودخلت معه البركة. وعندما رأى حماة بطرس مريضة. قرر المسيح انهاء الإجازة المرضية. فذهب إليها ولمس يدها. وحصلت المعجزة فقامت المرأة المُسنة. وبدلا من أن تكون على هامش الحياة صارة مركز القصة. وبدلا من الاستلقاء على فراش المرض صارت تخدم سيد الأرض والسماء.
نعيش في زمن يشدد على المباعدة الاجتماعية وكأن كلَّ إنسانٍ مصابٌ بالبرص. ونعيش في زمن نبحث فيه عن القوي والمتفوق وننشر الدُّونية وكراهية الغريب كما كره اليهود أهل روما. ويريد الكثيـرون الإجازة المرضية كما حصل مع حماة بطرس. إن دخول يسوع المسيح إلى عالمنا سيقلب الموازين.
أنا لا أعدكم أن المسيح سيشفي كل مريض من مرضه الجسدي. فتطبيب المسيح يختلف عن الطب في المفهوم الشعبي. شفاء المسيح للمرضى هو ضمن خطة الله لنشر الملكوت الرباني ونقض مملكة إبليس وتحقيق الأهداف الإلهية الزمنية والأبدية. لا يريد الله أن يشفي الجسد وتبقى الروح مريضة. ولا يريد الله أن يشفى الجسد على حساب الأولويات الإلهية. ولا يريد المسيح أن يكون شفاء الجسد أهم من أهداف ملكوت الله، بل يريد أن نقدم أجسادنا وأرواحنا ذبيحة حية مقدسة تخدم أهداف ملك الأرض والسماء. وعندما يأتي يسوع الشافي سينزع عزلتك وتقزيمك ومعرقلات خدمتك له. ولا أشك أن الله يستطيع أن يشفي مرضك وهو يريد ذلك إن كان الأمر يتناسب مع امتداد ملكوت الله ونقض مملكة الشيطان، ويمتنع عن الشفاء كما حصل مع لعازر حتـى يتمجّد الله بطرق لا تخطر على بال إنسان. فسلم له أمرك واطلب شفاء الروح قبل الجسد. واطلب خدمة الله قبل خدمة الله لك. فمن أرضى الله سينال بركات كثيـرة. وهي ليست بالضرورة البركات الزمنية فقد تكون بركات أبدية. ولا يحتقر الله البركات الوقتية ولكنه يريد منا أن نطلب النِعم الأبدية. هذه النعم موجودة في المسيح في كل حين.
وأخيـراً، لا تتحدث القصص أعلاه عن بركات لأفراد فحسب بل عن واقع مجتمعي جديد. لا يستطيع الأبرص أو الضابط الوثني أو المطروح بفراش المرض أن يأتي إلى الهيكل ولكن هذا لا يمنعهم من لقاء الله. ولا يوجد إنسان لا يستطيع أن يأتي إلى محضر الله فأبوابه مفتوحه للجميع. فحتـى الأبرص يستطيع أن يلتقي مع الله. هو لا يستطيع أن يذهب إلى الهيكل ولكنه يستطيع أن يرى المسيح. ربما لا نستطيع أن نذهب في أيامنا إلى الكنيسة ولكن نستطيع أن نذهب إلى رب الكون. وفي الواقع المجتمعي الجديد الذي يروِّجه المسيح، لا يوجد أي إنسان أقل رتبة من الآخرين، فلا يسمح الله بتهميش وتقزيم أي فرد خُلق على صورته مهما كان عمره أو جنسه أو إثنيته. يسوع هو شافي الفرد وشافي المجتمع أيضا. يسوع يُكرم المريض والمسن ويُمكِّنهم من خدمته. له كلُّ المجد.