وما زلنا في صدد حديث الساعة ... وباء خطير يضرب المعمورة بأكملها دون استثناء، ويُلزم الملايين، مئات الملايين، ترك أماكن عملهم والبقاء في بيوتهم، ومع مرور كل يوم نرى الأرقام تتصاعد في عدد المرضى، ومؤخرا سمعنا تقريرا عن أول حالة وفاة بسبب الفيروس.
الأوضاع حرجة للغاية في هذه الأيام، وعلى الرغم من "انتشار" المئات، وربما الآلاف من التعليقات والفيديوهات المضحكة، إلا أننا في مواقف كثيرة نرى الناس في حيرة ممزوجة بالاضطراب والقلق، إذا لم يكن من الفيروس فهو من انتظار وخوف ما سيقع على المسكونة، كالحالة الاقتصادية والاجتماعية، هذا بالإضافة إلى محدودية الحركة والتنزه والعلاقات الاجتماعية وغيرها.
نعم – وكأن هذا الفيروس أجبرنا أن نترك، بشكل أو بآخر، أشغالنا وأماكن عملنا وواجباتنا الاجتماعية ولقاءاتنا وسفرنا ومشغولياتنا، ونقضي أوقاتا طويلة في بيوتنا مع زوجاتنا وأولادنا وأهالينا، وبالمُجمل فقد قلب هذا المخلوق غير المرئي حياتنا رأسا على عقب وضرب بروتيننا اليومي "ضربة قاضية"، فنشعر أن الأمور قد خرجت عن سيطرتنا، فما كنا معتادين عليه بالأمس تغيّر الآن، ولا نعلم كم سيستمر هذا الوضع الجديد !
إذا قارنا بين الوضع ما "قبل الكورونا" مع الوضع اليوم، في زمن الكورونا، سنلاحظ أن حياتنا، نحن أولاد الرب، كانت منغمسة، بشكل كبير، في خضم هذه المشغولية "قبل" الكورونا، حتى لربما مشغوليتنا بالخدمات وانشغالنا عن الخادم الأعظم ربنا يسوع.
كم يذكرنا ذلك بمشغولية مرثا، فعلى الرغم من انشغالها بخدمة الرب، إلا أن هذه الخدمة أدت إلى اضطرابها ثم قلقها ثم تذمرها ثم شكايتها على أختها مريم، بينما مريم "قابعة" عند رجلي سيدها تسمع كلامه وتنعم بجماله، وعندها يوبخ الرب مرثا بأنها "مهتمة ومضطربة لأجل أمور كثير"، ويعلن لها أن "الحاجة إلى واحد"، ويصدر الرب قراره بأن مريم "اختارت النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها" (لوقا 10: 38-42).
طبعا لا نقول هذا لنقلل من قيمة العمل والخدمات والاجتماعات والنشاطات والالتزامات والواجبات الاجتماعية، لكن نقول ذلك كي نعيد حساباتنا، في زمن الكورونا، ونعمل على إعادة ترتيب أولوياتنا بشكل صحيح يرضي الله، فنطلب أولا ملكوت الله في حياتنا (كما علّمنا في كلمته) ونجلس عند أقدام السيد لنقضي أوقاتا أطول في محضره ونسمع كلماته ونتفرس في جماله، بالضبط كما فعلت مريم، وعندها سوف يقودنا هذا السيد لخطة العمل الصحيحة والفعالة والمؤثرة والمثمرة لامتداد ملكوت الله في هذه الأرض، وليعود كل المجد له وفقط له.
هل نحن على أعتاب نظام حياة جديد، بخلاف ذلك الذي اعتدنا عليه من قبل، على شتى الأصعدة، إن كان بالعمل أو الخدمة أو الكنيسة أو المجتمع أو الحياة الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية، أم أن هذه الأزمة لهي مؤقتة وستعبر في الأشهر القريبة (وهذه صلاتنا).
في كلتا الحالتين، مهما كانت النتيجة وأيا كان المصير، إن طال عهد الكورونا أو لم يطل، فمن المحتم علينا، وأنا أولهم، أن نعتبر مما يحدث الآن في بلادنا وفي العالم أسره، ونقف وقفة رجل واحد أولا بالتوبة عن أي مشغولية أو خطية أو أولويات غير صحيحة، كذا نتوب عن أي صراعات داخل عائلاتنا أو كنائسنا ضد بعضنا البعض وعن أي خصومات أو كبرياء أو محبة للذات أو المال أو العالم، وحري بنا أن نرجع لأيام بهجة الخلاص ولمحبتنا الأولى والبساطة التي في المسيح، وبالتالي نلبس سلاح الله الكامل كي نتمكن من محاربة وباء اسمه "الخطية"، والذي هو أخطر بكثير من أي وباء آخر، ذلك الوباء الذي فتك ويفتك بآلاف النفوس يوميا دون رحمة، والأخطر من ذلك أنه يرديهم للهلاك الأبدي، وهو أسرع بكثير من الكورونا ومن أي وبأ أو مرض آخر، تلك الخطية التي تجذّرت وما فتئت تستشري في قلوب الملايين من البشر من كل الشعوب والقبائل والأمم والألسنة.
بما أن سيدنا المخلص يسوع هزم هذا الوباء على عود الصليب، وبما أنه أعطانا السلطان أن ندوس العقارب والحيات وكل قوى العدو ولا يضرنا شيء، فلا يسعنا إلا نستعمل سلطاننا هذا كي نحارب هذا الوباء ونهزمه باسم المسيح، ولكي ينتشر مصل دم المسيح ويسبق انتشار وباء الخطية والكورونا وكل وباء أيا كان، ليس بدون اتخاذ الخطوات المذكورة.