حالة الطوارئ العالمية ضد الوبأ الذي اندلع في الصين هي حالة غير مسبوقة في عصرنا الحديث. انها بمفهوم معين حرب عالمية – ليست حرب طاحنة بين الدول والامبراطوريات مع بعضها كالتي حصدت عشرات ملايين الأرواح في القرن المنصرم، لكنها حرب عالمية فتّاكة ضد.... فيروس لا يُرى بالعين المجردة. ولا شك انه امام ظاهرة كهذه تثار أسئلة حول قصد الله بالسماح بالوبأ نذكر بعضًا منها.
يعتقد البعض ان الوبأ يعبر عن غضب من الله ينصب على بني البشر لشرورهم وتصرفاتهم ودعوة الانسان للتوبة عن طرقه واعماله. وهنا ينقسم الناس بتحديدهم لهذه الشرور والتصرفات التي حمى حسب فهمهم غضب الله بسببها. البعض يرى ذلك بالتصرفات ذات الطابع الجنسي او القتل او الإجهاض او منع الصلاة في المدارس او المباني العامة، وهذا عادة يميّز وجهة نظر اليمين المسيحي. البعض الآخر يعزوها لعنصرية الانسان وقمعه للآخر وظلمه وتكريسه للفقر وحتى لاعتدائه على الطبيعة- خليقة الله- وهي وجهة نظر اليسار المسيحي. بكل الأحوال هي دعوة للتمسك بالله والثقة فيه ان يرفع الوبأ وان يشفى المرضى- في وقت عجز الانسان بكل علمه وطاقته وعنفوانه على ذلك.
لن اخوض بقضية كون الوبأ بسماح الله اذ لا شك انه صاحب السيادة والمتحكم بكل الأشياء ولا يمكن ان يحدث امر ما- وبأ كان ام غيره- دون سماح منه. ومن هنا فان وراء حدوثه الذي سمح به الله، رسالة يريد الله ان يوصلها للبشر، كما كان في العهد القديم وتمت المصادقة عليها في العهد الجديد (انظر مقال القس الدكتور حنا كتناشو "الوباء في الكتاب المقدس"). ان الله يرغب بلفت انظارهم اليه والى طريق أفضل وردّهم عن أعمالهم وتوجهاتهم التي لا ترضيه.
وكتتمة لهذا القصد- يرى البعض ان الله وضع الكوابح للإنسان في مسيرته الجنونية. فلقد تكبر وتشامخ على أخيه الانسان وعلى الله نفسه بتجديفه ضده فأدار ظهره له ناكرا خيره وفضله وعطاياه. سمح الله بانتشار الفيروس الذي يجعله رغم جبروته المزعوم يتوقف عن غيّه ويقبع عاجزا في بيته.
بهذه الظروف يصبح قلب الناس عامة أرض جيدة لتسمع وتقرأ وتتأمل بظروف البشرية عامة وحيثيات حياتها خاصة. يتوجب مخاطبة هذه الأرض الصالحة بحكمة وبتواضع وبنعمة مشاركين عن محبة الله ودون ادعاء بمعرفة كاملة لقصد الله. يتواجد الناس في مثل هذه الفترة بحجر قسري صعب على ما فيه من ضائقة نفسية إضافة لتحديات مالية بسبب الاغلاق. انهم يحتاجون يد ملاطفة ومحبة غامرة ومشاركة عن محبة الله ودعوته بعيداً عن روح البر الذاتي ونشر الأوهام.
يرى البعض الآخر ان الله أراد تخفيف سرعة حياة الانسان الذي يركض ليل نهار في العمل واللهو والانشغال غير آبه لا بعائلة ولا بوالدين ولا حتى بالبيئة. ونتيجة للتعليمات الضرورية الحازمة من السلطات في كثير من الدول في العالم بالتقوقع في البيوت- شاهدنا التئام العائلات بكل افرادها في البيت وتجدد العلاقات الاسّرية. لقد جاءت الازمة الحالية بسماح الرب لتمنحنا تقدير متجدد لأمور اعتبرناها مفروغ منها مثل العلاقات العائلية وحرية التجول وحتى المصافحة والعناق الحبّي. انه وضع يسمح بالتأمل والنظر مجدداً للأولويات في الوقت الذي انقلبت هي فيه في خضم صخب الحياة وتسارعها.
ولم يقتصر الامر على إعادة الأولويات لنصابها الطبيعي في حياة البشر وانما إرجاع الأمور لسابق عهدها في الطبيعة ايضاً التي أهملها البشر وعاثوا فيها فساداً فأتلفوها. فخرجت الحيوانات من اوكارها لخلو المسطحات العامة من الناس وهبطت نسبة التلوث بالجو لنسب لم نعهدها سابقاً وتوقف التلوث في المياه الجارية حتى أصبح بالإمكان مشاهدة قاع البحيرات لنقاء المياه.
هل نصغي لعلامات السماء للبشر بتغيير مسار الحياة مع الله والعائلة والمجتمع وحتى الطبيعة؟