شاركت بمقال سابق عن مقاصد الله بسماحه بوبأ الكورونا وسآتي الآن بثلاثة تأثيرات ممكنة للوبأ على الانسان، ليس حاليا بينما نقبع في البيوت، بل ما سيدوم بعد الازمة. ونتساءل -هل سنشهد تحولاً في نمط التفكير إثر الاستنارة الحاصلة نتيجة الحجر، فيحصل تبديل للتوجهات واكتساب عادات جديدة تبقى وتترسخ بعد الازمة؟
1- اتخاذ مواقف أكثر وضوحا وحسماً بما يختص بوجود الله وطبيعته ومدى العلاقة الشخصية به.
تضع الازمة العالمية الحالية مَن هو غير حاسم بإيمانه بالله او بعدمه على المَحَك. هي تقلقل موقعه في تلك المنطقة الوسطى المتذبذبة او غير المقررة. فئة اللاادريين (الاغنوستية أي مَن لسان حالهم هو "لا ادري") عن وعي ممن "قرروا" بعد دراسة ما انه ليست هناك ادلة كافية لوجود الله، يُحشرون في موقف يضطرهم الآن ان يعيدوا النظر في قرارهم. فالأزمة الحالية التي وضعت العالم كله في زاوية معتمة تضطرهم لاتخاذ قرار. والامر يسري ايضاً على من اتخذوا الموقف اللاادري غير الواعي –بمثابة نهج اعتيادي للحياة دون فحص سؤال وجود الله او عدمه وبسبب مشاغل الحياة التهوا عن السؤال فاخذوا هذا الموقف- وهو عملياً: لا موقف.
يرى الانسان هشاشته وضعفه ويتخذ موقفاً بما يخص بالله. فأما يقترب لله كلي القدرة والرجاء ومصدر العزاء والراحة. واما يقرر ان الله غير موجود لأنه كيف يسمح الله بحدوث شر كهذا؟ وإذا كان موجوداً اصلاً، فانه ظالم- اذ يسمح بالألم وبالموت، ومن هنا يرفض أن يؤمن به.
تتناسب مصيرية هذه القرارات مع التوقف المفاجئ للحياة السريعة والاوقات الطويلة التي تسمح بالتأمل والقراءة مما يسمح بتكوين موقف حاسم في هذا الموضوع الهام.
2- التواجد الطويل في البيوت سيكون له أثر كبير على النفس وقد يقود لتغيير في أنماط الحياة. انها بطبيعة الحال ليست تجربة إيجابية خالصة. فقضاء الوقت الطويل للغاية لأسابيع دون خيار تحمل معها ضيق النفس والملل والاحتكاك الطبيعي، وبالذات في ظل اخبار انتشار الوبأ ولوائح اعداد المصابين والوفيات على نطاق العالم. ولكنها تحمل معها ايضا تجربة قسرية فريدة وبالنتيجة تحمل في جعبتها تقدير متجدد لأمور اهمِلت عن غير قصد في مسيرة الحياة المتسارعة. ومن هذه العناصر -يوم الراحة الاسبوعي والعلاقات الزوجية والاسرّية والاجتماعية وتقدير لخليقة الله من سماء وبحر وجبال وطيور وحيوانات وغيرها. هذا التقدير المتجدد هو عملياً ترتيب جديد للأولويات. القبوع في البيت يضع كماليات الحياة في نصابها الحقيقي في أدنى سلم الأولويات ويرفع أخرى مثل المذكورة أعلاه.
قد يقود التقوقع في البيوت لتغيير في العادات اليومية: اذا كان تلخيص الانسان لها بمجملها إيجابيا فسيقود الامر لتصرف مختلف واولويات مغايرة فيما بعد الازمة، ولكنه من الممكن ايضاً ان يقود لرد فعل عكسي ولتطرف آخر في الاتجاه المعاكس اذا كانت التجربة بمجملها سلبية. قد يساهم تدهور الاقتصاد والحاجة لترميم الوضع المالي في ركض وانشغال متجدد أكثر ضراوة من قبل.
3- تأكيد اهمية العلم من جهة ومحدوديته من الجهة الاخرى. الازمة الحالية كشفت البون الشاسع بين مستويات تطور العلم (وبالذات بالمجال الطبي) بين الدول. كما خلقت هذه الازمة سباق عالمي بين الدول المتطورة علميا لاكتشاف المَصِل المضاد لفيروس كوفيد ١٩( الكورونا) مثل المانيا وامريكا وحتى اسرائيل. وهروَلت الدول التي أصيب سكانها لاقتناء اجهزة التنفس الضرورية للعلاج من اقاصي الأرض او أصدرت التعليمات لإنتاجها قبل كل شيء في الدولة نفسها. بلطف الله ورحمته، وفي وقت كتابة هذه السطور، لم يضرب الفيروس بلاد العالم الثالث بقوة الا ايران. لولا ذلك لشاهدنا حصاد فتاك لمئات الاف النفوس في تلك الدول التي تفتقر لأبسط مستويات العناية الصحية اللائقة ولتأخرها العلمي. اثبتت الازمة لمن تشكك بذلك، ان العلم عماد للشعوب وتقدمها.
بذات الوقت، تيقننا من محدودية العلم، اذ رغم تقدم علمي فائق في بلاد عديدة فهي تقف عاجزة امام هذا الفيروس غير المرئي. ان الوعي لمحدودية العلم لا بد ان يقود لتواضع الانسان وعساها تقود لتضاءل ظاهرة التبجح والتكبر والتنمر.
نصلي ان تغيّر ازمة الكورونا، رغم قساواتها، فعلاً أنماط تصرف الانسان وتخلق توجهاً جديداً لخيره وتقدمه. .