إن أحد أهم الأسئلة التي تطرح نفسها يومياً في وسطنا خلال هذه الأيام التي نمرّ بها هي: "هل هذه الأيام هي الأيام الأخيرة؟ "."هل هذا الوباء هو العلامة النهائية للمجيء؟" " أليس ما أخبرنا إياه الرب يسوع أنّ في آخر الأيام سيكون حروب ومجاعات واضطهادات وأوبئة؟"
إذن، فالمجيء قد اقترب ويجب على جميع الناس أن يهابوا ويخافوا وأن يستعدوا إمّا للعذاب الأبدي ونار الجحيم أو الفردوس الأبدي والسماء الجديدة والأرض الجديدة التي تكلّم عنها يوحنا في رؤيا يوحنا 21. لقد تكلّم الرب يسوع عن العلامات كأنها قريبة؛ وافتكر التلاميذ لوقتٍ ما أن المجيء سيحدث في حياتهم، فلم يضّعوا أي وقتٍ بالتقاعس عن الوعظ والتعليم والكرازة أو تأجيل خدمة المجتمع وإطعام الفقراء ومساندة الأرامل وإيواء الأيتام.
والغريب في الأمر، أنه حتى عندما لم تتحقق الأمور في زمنهم أو خلال فترة حياتهم على الأرض، فإن الأجيال التي كانت والتي تتابعت - وإلى قرونٍ كثيرة - لم تتوقف عن عمل ما قد ورثته من الرسل والآباء لعمل ما يريده الرب منهم أن يعملوه من خدمة العالم المحتاج والقابع تحت سطوة الشرّ والشرير.
في كل الأزمان، ألم يكن هناك حروب؟! ألم يكن هنالك اضطهاد ضدّ الكنيسة الحقيقية؟! ألم يكن هنالك حتى أوبئة؟! مما لا شكّ فيه أن كل هذه الأمور قد حدثت، وتعامل المسيحيون معها بطرق مختلفة.
حقيقةً، لا يمكنني أن أفكر أن جزءاً من المسيحيين عندما عايشوا تلك الحروب والأوبئة والمجاعات تصرّفوا بجمود وتجاهل وجلسوا قابعين في أماكنهم دون أن يحرّكوا ساكناً لفعل أي شيء للحد من تأثير تلك الأمور على شعوبهم. بل إن هنالك قسمٌ صغيُر جداً من المسيحيين قد أصبحوا جزءاً من هرطقات انتحارية. وهنالك من لم يقيموا في بيوتهم ولا قوقعتهم ، بل خرجوا لعمل ما هو مرضٍ بعيون الرب .
الفكرة هنا أن الرب يسوع من المفروض أن يأتي بأي وقت. لكنّه علم بوضوح أنه مهما كانت العلامات، فلا بدّ لنا أن نكون مستعدّين لمجيئه ليس فقط روحياً بل ومن جميع النواحي.
إن الموقف الكتابي للمؤمنين يجب أن يكون الاستعداد وليس التقاعس، يجب أن يكون العمل والاجتهاد لمساعدة الناس والوصول إليهم بمحبة المسيح وليس موقف عدم الاكتراث، وكأننا نطلب النجاة دون مبالاةٍ أو اكتراث لمن حولنا كونهم هم الذين أخذوا دينونة على أنفسهم. في الواقع، إن لسان حالناً يجب أن يكون دوماً دعوة الناس للمصالحة والعلاقة مع الرب وليس تركهم ليموتوا في خطيئتهم.
وأذكر هنا حادثتين تاريخيتين إحداهما حصلت في القرن الثالث والثانية مع المصلح الشهير مارتن لوثر.
في الحادثة الأولى وهي الوباء الذي ضرب العديد من المناطق المعروفة في الإمبراطورية الرومانية حوالي عام 251 ميلادي، فقد كان الوباء شبيهاً بالحصبة -كما نسميها اليوم- حيث قتل آنذاك ما يقارب ثلث سكان الإمبراطورية، كما أضعف الجيش، وكان الناس يموتون في المدن والقرى سواسية. آنذاك، كان جزءُ من سكان الإمبراطورية مسيحيين وكان عددهم لا يتجاوز الإثنان بالمائة من سكان المعمورة. مقارنةً بالوثنيين، كانت أعدادهم قليلة، كما كانوا في مكان صعب دائماً بل ومضطهدين في معظم الوقت.
إن آباء الكنيسة مثل كيرايانوس وديونسيوس ويوسيبوس كانوا قد ذكروا الوباء في كتاباتهم مشيرين إلى كيفية مساهمة الوباء في انتشار الإيمان المسيحي بشكل أكبر.
في الوقت الذي لم يستطيع فيه الفلاسفة وحكماء الرومان أن يقدّموا للشعب ما يشجّعهم ويعزّيهم، فقد قدّم المسيحيون رسالة رجاءٍ ومحبةٍ لكل إنسان من حولهم. وإلى جانب رسالة الرجاء تلك التي قدّموها، لم يتوانوا عن تقديم يد العون والمساعدة لبعضهم البعض وللناس المحيطين بهم.
وكنتيجةٍ، فقد أدّت عنايتهم هذه إلى التقليل من أعداد الناس التي تلقى حتفها، ممّا دفع المجتمع الروماني إلى ملاحظة ما يفعله المسيحيون، وكمحصلة نهائية، أصبح الكثير منهم مسيحيين.
أمّا الحادثة الثانية والتي حصلت مع مارتن لوثر، فقد كانت وباءً ضرب المنطقة التي يسكن فيها اسمه وباء الطاعون الدُملي، وهو مرض حيواني المنشأ ينتشر بين القوارض الصغيرة وينتقل عن طريق البراغيث التي تعيش على هذه القوارض.
لقد قتل هذا الوباء الملايين في أوروبا، وعندما وصل إلى ويتنبرج المدينة التي يسكن فيها لوثر، هرب الكثير من الناس من المدينة. أما لوثر فقد اختار أن يبقى ويخدم الناس. لقد كان حرفياً "يحيا في وادي ظل الموت"؛ ظلّ يعزي الناس ويهيب بالمؤمنين لكي يعتنوا بالمحتاجين.
في الختام، صلاتي من أجل نفسي ومن أجل أحبائي المؤمنين أن يحمينا الرب ويباركنا وأن يستخدمنا في هذه الأيام لنكون صوت المحبة والتعزية للمرضى والحزانى والمحتاجين، أن نكون صوت الرجاء للخائفين ، وأن نكون صوت السلام والمصالحة لكل البعيدين عن الرب فنقرّبهم لشخصه...
آمين.