مع اختلاف الأسباب والظروف، يتشابه الجو الذي عاشه التلاميذ في أسبوع الفصح مع اجوائنا هذه الأيام.
نعيش أجواء خوف وقلق وضيق وعدم وضوح. نخشى ان نصاب بعدوى الفيروس من لقاء مصابين بها او من ملامسة الاسطح وغيرها. نقلق حول المستقبل والخسارات المالية ومن فقدان مكان العمل ومن إصابة احباء كبار بالسن نتيجة الفيروس. كما نعاني من ضيق العيش في البيوت دون إمكانية الخروج للرحب ولقاء الأصدقاء. لدينا أيضًا عدم وضوح للمستقبل: متى نخرج من الحجر وكيف ستكون الحياة يومها وكيف سنتابع ونعوّض ما فقدناه؟
أمّا التلاميذ فقد عاشوا مع يسوع ثلاثة سنين ونصف ورأوا وبُهروا فيها من مجده وقوته سلطانه. سمعوا تعليمه الذي لم يتفوه أحد قبل بمثله، شفى المرضى الذين أتوه من كل حدب وصوب دون ان يعسر عليه داء، أقام الأموات، تحدى قوانين الطبيعة اذ مشى على الماء، كثّر الخبز والسمك، حوّل الماء لخمر... أدهشهم خير دهشة، بكيفية لم يكن من الممكن ان يقوم بها غيره، فتبعوه.
أخالهم يعيشون اللحظة وحتى يستصعبون النوم لأنهم ينتظرون بشغف لكي يروا ما سيأتي به يسوع من عجائب وآيات ودروس وعبر في اليوم الذي يليه. فقد فاجأهم كل يوم بشيء جديد. من تلاميذ عاميين يعيشون خشونة الحياة في القرن الأول تبعوا الآن من بهرهم بحياته وبكلامه واعمال يديه! وكأن التلاميذ على ارجوحة نفسية وروحية وعاطفية فوصلوا قمة النشوة والانبهار عند دخول يسوع الانتصاري الى أورشليم. ففي بلدة صغيرة خارج المدينة العظيمة أقام السيد شخصًا مات وورِيَ القبر لأربعة أيام حتى أنتَن! وفي اليوم الذي يليه، دخل يسوع منتصراً الى المدينة كالملك فاهتزت وصرخ الكبار والصغار مرحبين ومسبحين الله بينما لوّحوا بسعف النخيل. لكن رغم انه حدّثهم عما سيكون من احداث في اورشليم إلّا أنّهم غفلوا أو تغافلوا عن ذلك. ومن حيث لم يدرون، وجدوا أنفسهم في الدرك، اذ سُلّم السيد للجنود ليُقدم الى المحاكمة بيد أمين الصندوق هذه المجموعة الجليلية البسيطة وليحاكم بتهم زور ملفقة. في يوم واحد هبطوا من قمة دائرة الارجوحة الى قاعها. تشتّتوا، تبعثروا واختبأوا.
تحوّلوا من نشوة الى نكسة ومن عنفوان الى انهزام. من آمال في مشاركة السيد السلطة في الملكوت الى احباطٍ ويأسٍ وأمل في ألا يكشف احدٌ ما ارتباطهم بالسيد. حتى زعيمهم ارتعب من جارية فانكر امامها انه يعرف السيد وامين الصندوق قبض مبلغاً "محترما" اجر تسليمه.
حدث الأسوأ، حاكموا السيد وحكموا عليه بالموت بأشنع ميتة على صليب عارٍ. لم يجرؤ أي منهم ان يلازم السيد في آخر ساعاته. لم ينسَوا ’العيش والملح’ فحسب لكن اصابهم الشلل والعجز. حالهم يشبه حالتنا اليوم!
مرّت ساعات وذاك الجبار على الصليب واظنهم توقعوا ان يجترح معجزة إضافية فيترجل عن صليب العار وينفذ من المصير، فهو لم يخيّب امالهم بتاتًا في الماضي.
لكن وأسفاه مات السيد بين اللصوص واخذوا جسده وقبروه. يا لها من خسارة! تبددت الأموال. انتهت المسيرة. لا بد انهم شرعوا يلملمون أشلاء الخيبة للعودة الى حياتهم السابقة، مُحملين ذكريات سنين لا تنسى رغم النهاية المأساوية.
إذ بدا أن الموت انتصر، لكن هيهات! ففجر قيامة المنتصر لاح: قام ذلك القدوس، وغلب الموت تاركاً لنا قبر فارغ وبعد ان دفع ثمن خطية البشرية كلها، أعلن نصرته على الموت.
بإذن الرب سنترك نحن أيضا ضيقنا وشللنا وخوفنا وسنقوم الى حياة جديد أفضل بعد ان تعلمنا دروس عديدة وربنا أهمها: ان نقدّر عطايا الله لنا.
كل عام وانتم بخير.