من زماااااااااااااااااان منذ حوالي ستة أسابيع كانت حياتنا "طبيعيّة"، وكجزء من طبيعيّة الحياة كنّا نتصارع مع الوقت بصورة غير طبيعيّة. عاش الكثير منّا في تسابق مع الزّمن، يوصل ليله بنهاره، والنّهار باللّيل، متمنّياً لو كان اليوم أكثر من أربع وعشرين ساعة حتّى ينهي التزاماته ومسؤولياته. فهنالك الكثير من الأعمال الضروريّة التي يجب القيام بها، ولا ينبغي إهمالها، لكنّ الزمن فرض علينا شروطه وحدوده. فيا لهول المشكلة!! كنّا عندما نلتقي بصديق عزيز نؤكّد له على رغبتنا الصّادقة لزيارته حين يسمح الوقت، وبالمقابل يرحّب بنا بكلّ الترحيب ثم يودّعنا على أمل اللّقاء، ولكن كنّا نعلم أنّ هذا لن يتمّ، لأنّه لا يوجد لنا الوقت لذلك. كنّا مشغولين لأجل أولادنا وعائلاتنا وبانشغالنا لأجلهم، انشغلنا عنهم. في تلك الفترة وجدنا صعوبة لإيجاد الوقت لقراءة كلمة الله والصّلاة، فاستبدلناها بفيديو قصير لعظة هنا وعظة هناك لنريح ضمائرنا الروحيّة. في ذلك الوقت كنّا نتمنّى أن ترجع بساطة الحياة التي سمعنا عنها من آبائنا وأجدادنا، لكن هذه الأمنيات ابتُلعت في نهر المشاغل اليوميّة الجارفة وضاعت في بحر ركضنا لنعيش حياة "طبيعيّة".
لكن و"بليل ما هو نهار" دقّ على باب حياتنا، من حيث ندري أو لا ندري، ضيفاً ثقيل الظّل، يُدعى فيروس الكورونا. لم يكن مُرَحّباً به، لكنّه لم يستأذنّا، فدخل بكلّ وقاحة ليخلق واقعاً جديداً في حياتنا جميعاً. وأوّل وأقع فرضه علينا هو واقع الوقت، فها نحن، وبدون سابق انذار، لدينا الكثير من الوقت. أسئلة كثيرة دارت وما زالت تدور في رؤوسنا على أثر هذه الأوضاع، وبكلّ تأكيد تتعلّق قسم من اسئلتنا بالوقت، ماذا سنفعل به الآن؟ كيف ننظّم وقتنا في هذه الأزمة وما بعد بعد الأزمة؟ بالطبع هناك كتب كثيرة تعالج موضوع تنظيم الوقت، ويمكننا بكلّ تأكيد أن نجني فائدة كبيرة من قراءتها ودراستها. لكن في مقالي القصير هذا أودّ أن أقدّم نظرة كتابيّة لموضوع الوقت، وتقديم بعض التوجيهات التي يتطرّق لها الكتاب المقدّس بما يتعلّق بهذا الموضوع.
يعلّمنا الكتاب المقدّس أنّه "لكلّ شيء زمان ولكلّ امر تحت السماوات وقت" جامعة 1:3. وعلى ما يبدو لي أنّنا نمرّ في زمن يمكن أن نسمّيه "زمن توفّر الوقت". والسؤال هنا ما هي طبيعة هذه الفترة؟ ماذا يجب ان أعمل بها؟ فالطّالب مثلا يدرس في سنين دراسته. والرّياضيّ يتدرّب في زمن ممارسته للرّياضة. والجندي يحارب زمن الحرب. فماذا نفعل بهذا الزّمن، “زمن توفّر الوقت"؟
أوّلاً، علينا أن نعيد ترتيب أولوياتنا، لقد اختلطت الأمور على الكثير منّا، فنسينا أنّ الله هو مصدر الحياة، وأخرجناه خارج برنامجنا اليوميّ، فتشوّشت بوصلة حياتنا، واختلطت علينا الأمور، فنسينا "أنّ الحياة أهمّ من الطّعام، والجسد أهمّ من اللّباس"، نسينا أنّ لنا إله يهتمّ بنا، وأنّ وضعه في رأس سلم علاقاتنا وأولوياتنا هو الامر الذي يعطي لحياتنا معنى وهدف وراحة وسلام. إنّه بكلّ تأكيد زمن نعيد فيه حساب علاقتنا مع الله، ومع أفراد العائلة، الزّوج والزّوجة، الأولاد والأهل والأصدقاء. نعم لكلّ شيء وقت، وهذا الوقت لترتيب أوراق علاقاتنا وأولوياتنا.
ثانياً، إنّه زمن "نفتدي فيه الوقت لأنّ الأيّام شريرة"، وجودنا في البيت، أو محدوديّة تنقّلنا أو عملنا، لا يلغي هذه المسؤوليّة. فنحن مسؤولون عن استخدام وقتنا، وهذه المسؤوليّة ما زالت قائمة حتّى في "زمن توفّر الوقت". بكلمات أخرى علينا ألّا نضيّع هذا الوقت، بل استغلاله بصورة تبني أرواحنا وأذهاننا ونفوسنا وأجسادنا. ولن آتي بأمثلة هنا، فكلّ منكم يستطيع أن يجد ما هو مفيد لبناء كلّ من النواحيّ المذكورة سابقًا في حياته.
ثالثاً، هذا وقت لندرك حجمنا كبشر، لندرك أنّ قدرتنا محدودة وعلمنا محدود وأيّامنا محدودة. هو وقت لنسأل الله أن "يعلّمنا إحصاء أيّامنا فنُؤتى قلب حكمة". حكمة تساعدنا في تقييم علاقاتنا؛ حكمة لتحديد أهدافنا؛ حكمة لاستثمار الحياة التي منحها الله لنا في المكان الصّحيح؛ حكمة تعلّمنا التّواضع وتذكّرنا بضعف جبلتنا؛ حكمة تعلّمنا محبّة الله من كلّ قلوبنا ومحبّة جارنا وقريبنا كما نحبّ نفوسنا.
وأخيراً أحبّائي، "إنكم عارفون الوقت، أنّها الآن ساعة لنستيقظ من النّوم..."، فلا تهملوا هذه الفرصة وهذه الفترة، لأنّها ستنتهي وسنقدّم حساباً على قراراتنا فيها.