ظهوراتُ المسيح مهمةٌ لترسيخِ وتأكيدِ عقيدة قيامة الأجسادِ. جسدُ قيامتِه باكورةُ عالمٍ جديدٍ وبدايتُه. يحتضن هذا العالم قوةَ الحياة ويخلو كلياً من الموت. ونتساءَل ماذا يُخبرنا الكتابُ المقدَّسُ عن جسدِ المسيح بعد القيامة؟ هل يستطيع أنْ يأكلَ ويشربَ؟ هل يجسَّ ويلمسَ؟ هل تغيـّرَ شكلُ المسيحِ بعد القيامة؟ كيف يتشابَهُ جسدُ الولادةِ معَ جسد القيامةِ وكيف يختلفان عن بعضِهما بعضاً؟ هل يقوم البشرُ بنفس الجسد الَّذي وُلدوا فيه؟ وماذا نستطيع أنْ نعرفَ عن الحياة بعد الموت؟
سأتحدَّث أولاً عن نقاط التَّشابه بين جسد الولادة أو الجسد الَّذي نُولد به ويبقى معنا حتَّى موتنا وجسد القيامة الَّذي نحصل عليه في الدَّهر الآتي. قال السَّيدُ المسيح: انقضوا هذا الجسد وفي ثلاثة أيام أقيمه (يوحنا 2: 19). لقد تحدّث السيدُ المسيح عن قيامة جسد الولادةِ ولم يتحدّث عن استبدال الأجساد. كيف تتأكد هذه العقيدة في الكتابِ المقدَّس؟ لننظر إلى بعض التَّأكيدات الَّتـي تُبيّن بعضَ التَّواصل الجسماني بين جسد الولادة وجسد القيامة. وسأشرح لاحقاً سبب استخدامي لكلمة "بعض". سنتحدَّث الآن عن تواصل جسد الولادة مع جسد القيامة. وسأذكر ثلاث نقاط عن هذا التواصل.
أولاً، كان جسدُ الولادة عند موت المسيح مثقوبَ اليدين ومطعونَ الجنب. وعندما قام السَّيدُ المسيح ظهر لتوما وقال له: "هات إصبعك إلى هنا وأبصر يديَّ، وهات يدك وضعها في جنبي" (يوحنا 20: 21). عارض توما شهادةَ التَّلاميذ الَّذين رأوا الرَّبَ وأصرَّ أنَّه يجب أن يرى أثرَ المسامير وطعنة الحربة لكي يؤمن بقيامة المسيح. وهكذا تأكّدنا أنَّ آثارَ جسد الولادة ظهرت في جسد القيامة. ولقد ظهر المسيح إنساناً ولم يظهر كملاكٍ أو ككائنٍ آخر. فكما يبدو لنا أن جسد القيامة للسيد المسيح لم يتغيـّر حجمُه أو بعض مميزاته الجسمانية الأساسية التي تُظهر هويته. لم يعتقد التلاميذ أن الشَّخص الذي ظهر هو دجالٌ، بل قبلوا أنَّه المسيح.
ثانياً، يتشابه جسد القيامة مع جسد الولادة في بعض الصّفات. يستطيع جسدُ القيامة أن يمشي ويتحاورَ. وهكذا فعل المسيحُ بعد قيامته في أكثـر من مناسبةٍ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، سار المسيحُ وتحاورَ مع تلميذي عمواس. ففي جسد القيامة نستطيع أن نتحدَّث ونستخدم الكلمات للتَّواصل. ويستطيع جسد القيامة أن يأكلَ. لقد ظهر المسيحُ للتَّلاميذ وكانوا غيـرَ مصدقين ومتعجبين، فطلب أن يعطوه طعاماً. وأكلَ قدامهم سمكاً وعسلاً (لوقا 24: 42 – 43). وعندما اضطربوا قال لهم: انظرو يدي ورجلي وجسوني. لقد امتلك الأيدي والأرجل الجسم الذي يُجس. وقال أيضاً أن له لحماً وعظماً. يقول النّص المقدس: "فقال لهم: ما بالكم مضطربين، ولماذا تخطر أفكارٌ في قلوبكم؟ انظروا يدي ورجلي: إني أنا هو! جسوني وانظروا، فإن الرُّوح ليس له لحمٌ وعظامٌ كما ترون لي" (لوقا 24: 38 – 39). تبين هذه الآيات أنَّ حياة الدَّهر الآتي تشمل أجسادَ قيامةٍ. وتملك الأجساد الأيدي والأرجل واللحم والعظام، وتستطيع أن تأكل وتجس وتتحاور بلغة مفهومةٍ. فيجب الابتعاد عن الهرطقة الغنوسية الـتي تجعل الدهر الآتي بدون جانب مادي. علاوة على ما سبق، تبين الآيات آنفة الذكر أن هوية جسد الولادة لا تختفي بل تظهر في هوية جسد القيامة.
ثالثاً، لا يقتصر الأمرُ على التَّشابه الجسماني، بل نرى أيضاً استمراريةً في جوانب سيكولوجيةٍ وعلاقاتيةٍ وفي الذَّاكرة. فعندما كان المسيحُ في جسد القيامة قال لتلاميذه عن نفسه: "هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم: أنه لا بُدَّ أن يتمَّ جميعُ ما هو مكتوبٌ عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير" (لوقا 24: 44). يتذكر المسيحُ الكلامَ الذي قاله في جسد الولادة ويتذكر العلاقات أيضاً. لقد سأل المسيحُ بطرسَ ثلاث مرات "اتحبني" وحزن بطرسُ لأنَّه سأله ثلاثَ مراتٍ. فلقد انكره بطرسُ ثلاثَ مراتٍ. يبدو أنَّه ثمة تواصل جسماني وسيكولوجي وثقافي بين حياة الولادة وحياة القيامة.
إلا أنَّ التواصل ليس كلياً بل جزئياً. فجسد القيامة قد يختفي فجأةً كما حدث مع تلميذي عمواس (لوقا 24: 31) أو قد يرتفع عن الأرض إلى السَّماء كما حدث في الصُّعود (لوقا 24: 51) وقد يختـرق الأماكن المغلقة كما حدث مع التلاميذ (يوحنا 20: 19، 26). ويبدو أن هيئة جسد القيامة غيـر متطابقة مع جسد الولادة. لا ضيرَ من التفكيـر أنَّ كلَّ سُلطة الخطيئة والموت قد زالت كلياً من هذا الجسد. فلا يسكن فيه أي مرض أو أي موت. يصف الكتابُ المقدس حالة حياة القيامة قائلاً: "والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزنٌ ولا صراخٌ ولا وجعٌ في ما بعد" (رؤيا 21: 4). تُستبدل كلُّ خلايا الموت بالحياة وربما يؤدي هذا الأمر إلى تغيـر في الهيئة وآليات التَّعرف على الآخر. وهكذا لم تعرف مريم المجدلية يسوع للوهلة الأولى (يوحنا 20: 14) ولم يعرفه تلميذي عمواس في بداية الحديث (لوقا 24: 16، 31).
ظهوراتُ المسيح هي أساس عقيدة قيامة الأجساد التي يشرحها الرسول بولس في 1 كورنثوس الأولى 15. ويؤكّد الرَّسولُ التَّعاليمَ التَّاليةَ: أولاً، يجب أن يؤمن المسيحي بالقيامة وإلا فإيماننا باطلٌ ونحن أشقى جميع النَّاس. ويشرح الرَّسولُ بولس أنَّ قيامة المسيح هي باكورةُ الراقدين أي أنَّ المسيحَ هو أولُّ من قام في عالم الدَّهر الآتي وسنقوم مثله.
ثانياً، قد يعتـرض البعضُ على فكرة جسد القيامة. فماذا نفعل بالذين حرقوا أجسادهم أو اختفى أي أثر لهم. يستغرب الرسول بولس من الغباء البشري والاستخفاف بقدرة الله وحكمته الظاهرة في الطبيعة. لقد استطاع العلم أن يجد كل الصفات البشرية لإنسان ما في خلية واحدة أفلا يستطيع الله أن يأتي بحياة القيامة لخليقته؟ يتحدّث البشر عن استنساخ الإنسان من الجينات الوراثية ويرفضون قدرة الله على إقامة الموتى! أما الرسول بولس فيقول لنا. انظروا إلى الطبيعة. البذرة تموت في الأرض ولكنها تحيا كشجرة بصفات البذرة. تُزرع في ضعف وهوان وتقام في قوة الحياة. ويشرح الرسول أيضا أن حياة القيامة فيها تفاوت بسبب هوية البذرة. فيقول أن مجد الشمس يختلف عن مجد القمر ويوجد تفاوت بين نجم وآخر وهكذا في قيامة الأموات.
أخيرا، يا أحبائي. ظهر المسيح فأسس عقيدة قيامة الأجساد. فلا تخاف من سطوة الموت ومن ضعف الجسد الآن. ستُشفى كلُّ الجراح وتنتهي كلُّ الأمراض. لقد زرعت هذه الأفكار قوةً كبيـرة في قلب الرسول بولس فبصق في وجه الموت. وقال: "أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟" (1 كورنثوس 15: 55). لا تضع رجاءَك في حياة تنتهي بموتك بل اجعل رجاء القيامة يُشكل حياتك الآن. واصغ إلى قول الرسول بولس الذي بعد أن شرح عقيدة قيامة الأجساد قال: إذاً يا إخوتي الأحباء، كونوا راسخين، غيـر متزعزعين، مُكثرين في عمل الرب كلَّ حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلا في الرب". ليس عقيدة القيامة فكرة نعتنقها فحسب بل هي محفزٌ يدفعنا أن نستثمر حياتنا في خدمة ملكوت الله الآن وهنا. فتعبنا لن يضيع باطلا وسنحصد البركة. المسيح قام وظهر لتلاميذه.