تتزايد مشاهد العنصريّة من حولنا، فينهض النّاس لمكافحتها بطرق مختلفة، من مظاهرات الى مشاركة الأفكار والأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن، هل هذا الفعل كافٍ؟ ما هو عملنا كشباب وشابّات مؤمنين في تلك الأزمات؟ هل علينا أن نفعل ما يفعله الآخرين؟ هل علينا أن نعمل بالكلمة؟ ما هو العمل الصائب؟
عندما نتأمل في هذه الأحداث ونقارنها مع الكتاب المقدّس وحياة يسوع على الأرض، كيف ينعكس الأمر؟ كيف علينا التعامل كمؤمنين مع مقتل إياد الحلّاق وجورج فلويد وغيرهم الكثيرين؟
هنالك العديد من الأفكار المشوّشة التي سمعتها عن طُرق التعامل مع تلك الأحداث. فعلى سبيل المثال هناك من يدّعي أنه ليس علينا التدخّل في مثل هذه الأمور، بحجة ما قاله يسوع: "أنّ ما لله لله وما لقيصر لقيصر". لكن هذا تبرير مغلوط جدًّا، فما قاله الربّ لا يعني أنه ليس لنا أن نتدخّل في مثل هذه المواقف ولا التّعبير عن آرائنا فيها، بل يحُثّنا على اطاعة كل من الله والسلطة كالالتزام بدفع الضرائب وباقي الواجبات المدنية.
نجد العديد من المواقف في الكتاب المقدّس التي تدخّل يسوع فيها وتصدّى لأفعالٍ رديئةٍ من فاعلي الإثم ومِن مَن يدّعون أنّهم رجال دين. مثال على ذلك هو المرأة الزّانية؛ إذ حسب الشريعة اليهوديّة القديمة، كان عليها أن تُرجم حتّى الموت. تقدّم يسوع إليها وقال للكتبة والفريسيين:
" ولما استمروا يسألونه، انتصب وقال لهم: من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر!"
يوحنا 7:8
استطاع يسوع في مجيئه كسر العديد من الأفكار والحواجز بين المجتمعات. اذ رفع مكانة المرأة عند ظهوره لمريم المجدليّة، ليجعلها أوّل شاهدة على أعظم حدث في تاريخ البشريّة، حدث القيامة، ولقائه مع المرأة السامريّة رغم أنّ الشعب اليهودي والسامري خطّان متوازيان لا يلتقيان، وليس لأحدٍ منهم الخيار ليقرر لأي شّعب ينتمي، لأنها حقيقة ولدوا فيها.
لنتخيّل أنّ إياد الحلّاق هو بمثابة الشّعب السامري، وإياد الحلّاق بكونه عربي فلسطيني يقطُن دولة إسرائيل ليس له خيار في هذه الحقيقة أيضًا. ظنّ الشعب اليهودي أن الشعب السامري بمثابة خطّ أحمر، وليس عليهم الاقتراب من الشّعب السامري أساسًا، فقُتِلَ إياد الحلّاق.
لم يتغاضى يسوع عن الخطأ في حياته على الأرض. أصلحه، وأعطى لنا مثالًا يُحتذى به على تعامله مع هذه المواقف بطريقة صائبة.
عندما ترامى على مسامع يسوع من قِبَل الفريسيين بأنّ هيرودس يريد القبض عليه، لم يخَف ويرتعد، بل قال:
فقال لهم: "امضوا وقولوا لهذا الثعلب: ها انا اخرج شياطين واشفي اليوم وغدا وفي اليوم الثالث أكمل. بل ينبغي ان اسير اليوم وغدا وما يليه…"
لوقا 13: 32-33
وهنا نرى أنّ يسوع لم يهَب من هيرودس ووصفه وصفًا كالثعلب، أثر قوله ما ذكرت أعلاه.
ذَكَرَ سي.اس. لويس في كتابه: المسيحيّة المجرّدة (Mere Christianity) أن "يسوع لم يأتِ ليعطنا قوانين أخلاقيّة جديدة". ويُكمل مُقتبسًا سامويل جونسون: "يحتاج النّاس التذكير أكثر مما يحتاج النّاس التّوجيه".
نعم، لم يأتِ يسوع ليعطنا قوانين أخلاقيّة جديدة، بل ليذكّرنا بها ويقدّم لنا مثال حيّ عنها. يرفع يسوع في العهد الجديد، المستوى الأخلاقي العملي في العديد من النواحي. قيل في العهد القديم في أحد الوصايا العشر، لا تقتُل. في العهد الجديد، قال يسوع، ومن قال لأخيه أحمق، مستوجبٌ نار جهنّم.
"قد سمعتم انه قيل للقدماء: لا تقتل ومن قتل يكون مستوجب الحكم. واما انا فأقول لكم: ان كل من يغضب على اخيه باطلا يكون مستوجب الحكم ومن قال لأخيه: رقا يكون مستوجب المجمع ومن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم."
متى 5: 21-26
فبمجيء يسوع أعطى قيمة أعظم للإنسان ولحياته. فمن أنت أيها الإنسان حتى تقطع حياة إنسان آخر وليس لك أدنى الصلاحيّة لهذا الفعل؟
إغضبوا ولا تخطأوا، لا تغرب الشمس على غيظكم. أفسس 4: 26. الغضب شعور طبيعي جدًّا، بشرط ألا نخطأ، وعندما نغضب لعدم العدل، يتطلّب منّا الأمر التدخّل وعدم تجاهله. ماذا نستفيد من الغضب والصّمت؟ لا شيء.
إذًا، ماذا علينا أن نفعل؟ هل علينا أنّ نصمُت ونتجاهل؟ بالطبع لا. يسوع لم يَقف أمام الخطأ وتجاهله. ليس علينا مواجهة الظّلم بالظّلم، ولا النّار بالنّار. بل لنواجهها بالمحبّة والسلام.
"سمعتم انه قيل: عين بعين وسن بسن. واما انا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الايمن فحول له الاخر ايضًا. ومن اراد ان يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء ايضًا. ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين. من سالك فاعطه ومن اراد ان يقترض منك فلا ترده."
متى 5: 38-42
أوّلًا، علينا أن نفهم ونُحدّد موقفنا مما يحصل. الصّمت، السلبيّة، والخمول لا يشكلون عناصر في التغيير. فحين نفهم الأساس، تتغيّر فكرتنا عن الموقف كلّه. ثانيًا، علينا العَمَل على زيادة المعرفة لدى من حولنا بشتّى الطرق. منّا من يتميّز بالكتابة، الفن، وما إلى ذلك. فهي كُلّها عطايا من الله لنستخدمها للحقّ ولتمجيد اسمه. ثالثًا، لنستعِن بالمنصات المتاحة لنُعبّر من خلالها عن رأينا. رابعًا، وهي أهم طريقة، الصّلاة. نصلّي لهذا العالم المُتألّم المُتمخض، ليَعرف أساس الرّجاء الوحيد والذي فيه تتمركز كلّ الأشياء وبدونه، وبدون محبّته، لن يتغيّر هذا العالم البائس والعَسِر.
نُناشد وننادي، نصرخ ونستنجد. هل من مُجيب؟ هل من يعيننا؟ هل من ينصت لنا؟ هل من سُلطة تهتم لسكّانها؟ فإذ لم توجد سلطة كهذه، لما لا نكون نحن السّلطة بمحبّتنا وسلامنا؟
يبقى السؤال، هل سنتجاهل ما يحدث، ونكمل كأن شيئًا لم يكن؟ أم سنظهر كشهادة للمسيح أمام عالم يئنّ له، وسقط بعيدًا عنه؟ ونحاول أن نعيد الإنجيل الى هذه الأرض؟
"ولا تشتركوا في اعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبخوها".
أفسس 5: 1