يبدو للمراقب لقضايا العدل الاجتماعي، مثل قضية مقتل جورج فلويد في أمريكا او اياد الحلاق في القدس، ان المواقف تتأرجح بين قطبين: الأول من يؤيد الضعيف والمظلوم ويعترض على قهر القوي وهو المعسكر المتنور واللبرالي. والثاني- هو المجموعات المحافظة على شتى أنواعها، ان كانت السياسية او الدينية والتي تعترض على أي تغيير وتقبل الامر الواقع.
بطبيعة الحال هناك فئات كثيرة تتخذ موقف معينة في هذه القضايا لمصلحة فئوية. فمثلاً تجد افراد وجماعات "تتباكى" على مقتل جورج فلويد وعلى التفرقة العنصرية في أمريكا في الوقت الذي ترزح بلدانها تحت عنصرية وقهر وكبت اكبر بكثير. أي ان مواقفهم متلونة وجاءت لغرض الهاء الناس عن الخروقات في بلادهم ومعتقدهم وبدلاً من ذلك- مهاجمة أمريكا- لكراهية لمواقفها السياسية او بسبب الغيرة والحسد بسبب نجاحها الاقتصادي والثقافي منقطع النظير.
لكن العجيب هو اتخاذ مجموعات كنسية مسيحية محافظة لمواقف ترفض العدل الاجتماعي. فلماذا هذا رغم ان العدل والرحمة والخير للجميع هو في أساس رسالة الرب يسوع على الأرض؟ هل بالإمكان ان يتخذ المؤمن موقفاً محافظاً في قضايا اجتماعية مختلفة و"انسانياً" (وهو بالحقيقة "الهياً") ليبرالياً؟
للإجابة على هذه المعضلة يتوجب الإشارة ان المسيحية بطبيعتها لا تضع نواميس لوصايا محددة يتوجب العمل فيها كما في ديانات اخرى. فالناموس (القانون) الوحيد الذي وضعه الرب هو ناموس المحبة اذ يقول: لا تكونوا مديونين لاحد بشيء الا بان يحب بعضكم بعضا، لان من احب غيره فقد اكمل الناموس" (رومية 13: 8) وأيضا: لان كل الناموس في كلمة واحدة يكمل:" تحب قريبك كنفسك" (غلاطية 5: 14). انظر ايضاً: رومية 13: 10، غلاطية 6: 2.
من الجهة الأخرى- كانت مبادئ الفكر المسيحي هي المُلهِمة لحقوق الانسان ولمركزيته ورفاهيته ورفع اغلال العبودية والتقييدات عنه ليعيش حياة كريمة في نظام ديمقراطي حر. كان فكر الانجيل هو الأساس لهذه المسيرة المباركة. ولكن بذات الوقت- هذه المسيرة المباركة اثمرت تماساً ما بين مبادئ العلاقات التي أوصى بها الله وما بين هذه الحرية. تحفّظ المسيحيون من حياة الإباحية الجنسية وهي من نتائج مسيرة الحرية (مع او بدون اقواس) واتخذوا مواقف محافظة فيها عملاً بالمحافظة على مؤسسة الزواج المباركة وتنظيم العلاقات التي رسمها ووضعها الله. اعتبر المسيحيون المؤمنون ان هذه الحرية اسيئ استخدامها وبدل ان تقود للحرية الدينية والى كرامة الانسان سببت الى ادارة الانسان وجهه بسببها عن وصايا الله. ولكن المعترض يقول- لكن هذه هي كنه الحرية. ان أساسها هو خيار المستمتع بها ان يرفض امر ويقبل آخر. ان إساءة الاستخدام لها لا يعني بأي شكل من الأحوال وأدها ومنع البشر من ممارستها. فالحرية هي هبة من الله ولم تتطور في الغرب على أساس مبادئ الانجيل صدفة.
بكلمات أخرى وبكل ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، انقلب السحر على الساحر، ان جاز التعبير. لكن لماذا يتوجب اتخاذ موافق رافضة للتغيير في مواضيع أخرى؟ فالكتاب المقدس يؤكد ان محبة القريب هي الأساس ويعتبرها "تكميل للناموس" (انظر الآيات أعلاه) ومن هنا يتوجب وضع مصلحة الانسان نصب اعين الانسان المسيحي المؤمن قبل ان يقرر موقفه من قضايا معينة. ويتوجب الا يتم دحر فكر الإصلاح والتغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المبارك التي طالب بها الرب وتلخصت بوصية محبة القريب كما اسلفنا. مثلاً مبادئ المساواة التي تمنح الانسان القيمة يتوجب ان تسود مقابل النهج العنصري. ويتوجب ان المؤمن يدعم الإصلاح الاجتماعي الذي يزيل الظلم والغبن والا يتمسك بالموجود والا يتخذ مواقف محافظة ترفض التغيير.
المواقف المحافظة في القضايا الاجتماعية يتوجب الا تقود لمواقف محافظة تكره التغيير للأفضل على الرغم من ان هذا التغيير مبارك ويتوافق مع ناموس المحبة. وللتذكير – نذكر ان فئات كنسية عديدة اتخذت خلال السنين مواقف كتابية من العدل الاجتماعي، واشتهرت منها شخصيات في هذا المجال أمثال القس مارتن لوثر كينغ والقس ديزموند توتو والقس جيسي جاكسون واوليفر كرومويل وغيرهم.
مما جاء أعلاه يمكن القول ان على الكنيسة التخلص بقوة الرب من هذه الفوبيا غير الكتابية من قضايا العدل الاجتماعي وان تسعى لاطاعة فكر الرب بكل المواضيع وليس نوع واحد من المواضيع.