هل تجوز المثلية الجنسية أم لا تجوز؟ أهي حلال أم حرام؟ خير أم شر؟ هل هي حق إنساني أم أمر شاذ؟ بالنسبة لمن؟ إذا كنت تتوقع الحصول على جواب قاطع لهذه الأسئلة من خلال هذا المقال، فلا أنصحك الاستمرار في القراءة. هدفي هو طرح بعض الأسئلة الأساسية التي يمكن أن تُأثّر على طريقة توجهنا لموضوع المثلية الجنسية، ومن ثم سأترك لك عزيزي القارئ المجال للتفكير.
القيم الأخلاقية
عندما نسأل عن الخير والشر لا بد أن نتكلم عن فلسفة الأخلاق (للدقة ميتا-أخلاق: Metaethics) وأحد أهم الأسئلة في هذا المجال هو هل هناك قيم أخلاقية موضوعية (Objective) أم لا؟ هل هناك خير موضوعي أو شر موضوعي؟ القيم الاخلاقية الموضوعية هي قيم أخلاقية لا تتعلق برأي الإنسان بل هي صحيحة بشكل منفصل عن هذه الآراء. أنصار القيم الاخلاقية الموضوعية يقولون مثلا أن الاغتصاب شر موضوعي، وحتى لو اتفق كل شعوب الأرض أن الاغتصاب أمر خيّر، سيبقى شرا موضوعيا وسيُعتبر جميع البشر أشرارا إن مارسوه. مثال آخر، بحسب بيان حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، لكل إنسان كرامة متأصّلة فيه ومنها تنبع حقوقه، وليس من أراء الناس الشخصية.
بحسب نظرة فلسفية أخرى وتسمّى بنظرية الأخلاق النسبية (أو الشخصية)، كل شخص أو مجموعة من الناس يقومون بتعريف الخير والشر بشكل يتناسب مع أراءهم، ومجموعة أخرى تعّرفه بشكل مختلف. مثلا، المجموعة النازيّة تُعرّف الخير بطريقتها الخاصة والتي تتعارض مع تعريفات مجموعة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. ربما نتساءل أي تعريف هو الأفضل؟ لا يوجد اجابة لهذا السؤال لأنه في هذه النظرة النسبيّة لا يوجد مقياس موضوعي نقيس بحسبه من هو الأفضل. لربما يقول البعض أن البقاء للأقوى، ولكن حتى عندها نستطيع أن نسأل هل “البقاء للأقوى” هو الجواب الأفضل؟! وبالنسبة لمن؟
إن كنت تعتقد أنه ليس هنالك قيم أخلاقية موضوعية، فالسؤال عن المثليّة الجنسية يصبح أقل أهمية إذ يتمحور حول آراء بعض الناس الشخصية فيه. هذه المجموعة رأيها كذا وتلك رأيها كذا ولا يوجد جواب موضوعي. حتى حقوق الإنسان تصبح أمرا نسبيا، ولا فائدة من نقاش الموضوع إذ أنه لا يوجد جواب يسعى الجميع للوصول إليه! أمّا إن كانت القيم الأخلاقية موضوعية، فهنالك ضمان لكرامة كل إنسان، حقوقه وقيمته، بغض النظر عن آراءه الشخصية وميوله الجنسية وعندها من الممكن أن نسأل عن مكانة المثلية بحسب هذا القانون الأخلاقي الموضوعي.
أسئلة عن الإنسان
هل يمكن للإنسان معرفة القانون الأخلاقي الموضوعي؟ وما هو مصدره؟ هذه اسئلة فلسفية عميقة ولن أتطرق إليها هنا ولكن سأطرح المزيد من الأسئلة التي لربما تساعدنا على التفكير في الموضوع. قبل أن نجيب عن موضوع المثلية علينا أن نجيب على السؤال: من هو الإنسان؟ هل هو، مثلا، مجرد كائن بدأ بالصدفة وتطور؟ هل هناك هدف من الحياة على الأرض؟ هل لديه حريّة أم هو مُسيّر من قبل ظروفه وطبيعته؟ هل الميول الجنسية جزء من هوية الإنسان؟ اجابتنا على هذه الأسئلة تؤثر وبشدّة على توجهنا في الإجابة عن سؤال المثلية، فإن انعدم هدف وجود الإنسان نفسه، هل سيكون هناك حقا فرق مع من يمارس الجنس؟ أو إذا اتضح أنه مُسيّر فعندها لا داعي أصلا للسؤال!
هنالك العديد من الأسئلة المهمة الأخرى، فبما أن هنالك مطالبة بزواج المثليين، يجب أن نسأل ما هو الزواج؟ ما الهدف منه؟ ما هو تعريفه؟ من وضع هذا التعريف؟ ولماذا هنالك نوع من التزام أخلاقي به؟ من أين أتى هذا الالتزام؟ هنالك علاقة واضحة بين الزواج والعائلة، فما هي أهمية العائلة؟ وحتى قبل الوصول لمرحلة الزواج، علينا أن نسأل عن أهمية العلاقات الحميمة ودورها. لماذا نهتم بعلاقات المحبة هذه وما المميّز بالمحبة؟ ما هي المحبة أصلا؟ هل تُختزل لمجرد بعض التفاعلات الكيميائية بالمخ؟ إن كانت كذلك فلماذا نقدسها؟ هل نقدس التفاعلات الكيميائية في عملية تخمّر العجين مثلا أو في تحلل جثة ميّتة؟
الجنس
بعد أن فكرنا بالأسئلة عن الزواج، العائلة، العلاقات والمحبة، عندها يمكننا أن نفكر بمكانة الجنس. ما الهدف من الجنس؟ بحسب نظرية التطور الجنس هو الآلية التي أوصلتنا إلى يومنا هذا. هل هو حقا مجرد وسيلة للتكاثر؟ أو لربما يكون كما يعتبره كثيرون، وسيلة للمتعة؟ أهو طريقة للتعبير عن الحب؟ هل هنالك جوانب أخرى للجنس؟ لماذا انحصر الجنس، تقليديا، داخل الزواج وما هي نتيجة إخراجه خارج نطاق الزواج؟ هل هناك فرق بين الميول الجنسي والممارسة الجنسية؟
إن اقتنعنا بأنه هنالك هدف لوجود الإنسان، الزواج، العائلة، العلاقات والجنس فلا بد أن نسأل عن منبع هذا الهدف ومصممه. ما هو هذا المنبع؟ ما علاقة هذا المنبع بالمحبة؟ لماذا أوجد الإنسان من أصله؟ هل لدينا وسيلة للتعرف على المنبع؟ وما علاقته بالقانون الأخلاقي؟
رأيت الكثير من الكتابات بمواقع التواصل الإجتماعي حول المثليّة الجنسية. البعض يستخدم القانون الأخلاقي للمدافعة عن الاضطهاد والظلم والآخر يستخدمه للمدافعة عن ما يعتقد أنه الحق. البعض يستشهد بالميول الجنسية الشخصية كمصداقية لآرائه وآخر لربما يستشهد بكتابات دينيّة لا يتفق الطرفين على قدسيتها أو تفسيرها. نصيحتي هي قبل أن نناقش موضوع المثلية الجنسية علينا أن نتفق أن هنالك قيمة موضوعية، كرامة متأصّلة وحقوق طبيعية لكل إنسان بغضّ النظر عن ميوله. ولذا علينا أيضا أن نلتزم بمحبة الآخر واحترامه، وقبل أن نتبنى موقفًا اخلاقيًا تجاه المثليّة، معارضا كان أم مؤيّدا، أنصح بشدّة أن نفكّر بعمق في جميع الاسئلة أعلاه.
بقلم جورج عبده - عن موقع ثابت