قفز الفيروس في "السوق المبلل" في يوهان في الصين على امرأة كانت تتأمل ارنباً راودتها فكرة شرائه عند كشك معفّن. بهذه القفزة تسلل الفيروس للجنس البشري، وبها خطّ التاريخ اذ ابتلت الكرة الارضية شرَّ بلوى.
خلال عدة اسابيع من تلك الوثبة المهولة، توقفَ العالم عن سيرِهِ تمامًا. كما كشفت البلوى انانية البشر وحبهم للذات.
صارَعت كل دولة حربها الخاصة وقلّما عاونت الدول بعضها. حتى في الاتحاد الاوروبي المتطور والراقي، بقيت صرخة ايطاليا التي استغاثت متوسلة معاونة دول الاتحاد لها في اوج أزمتها، كصوت صارخٍ في البريّة.
تصرفَ الناس في أنانية وجهل حين بثّوا الاخبار المزيّفة عن مصدر الفيروس او بإنكار وجوده فالرغبة بالشهرة وادعاء المعرفة دون أساس دون فحص كاف تؤذي الآخرين. لقد اتسموا بالأنانية بمجرد اطلاق الاخبار بهذا الشكل، متجاهلين ملايين المرضى ومئات الاف القتلى- معرّضين من حولهم للخطر. واتصفوا بالأنانية حين رفضوا ارتداء الكمامات الواقية. فما قبلوا ان يحتملوا عدم راحة مؤقت بارتدائها لكي يذودوا بذلك عن اترابِهم من مخاطر العدوى. ناهيك عن تعامُل بعض القادة السياسيين بأنانية حين استغلوا الازمة لكي يكسبوا نقاط تأييد ودعم من جماهيرهم. البعض لم يكترث لحاجات المواطنين الذين يرزحون تحت عبء الضائقة الاقتصادية النابعة من اغلاق الكثير من مرافق الحياة بسبب الجائحة، فاهملوا تعويض من تضرر.
وحتما سنشهد منافسة عالمية بين حيتان العالم مثل امريكا والصين وروسيا وبريطانيا حول مَن سينجح في شراء المصِل المُكتَشَف لسكانه اولًا. ستكون منافسة حامية الوطيس تُستخدم بها كل الوسائل الشرعية وغير الشرعية. انها بمثابة صراع بقاء ستَبان من خلاله انانية الانسان.
نتج ايضا عن عمل الفيروس توقف تام او على الاقل تباطؤ الاقتصاد والحركة والعمل والسياحة والسير والطيران. انه يشبه تسمّر البشر في مكانهم حين تجمدت الكائنات النصف حيوانية - نصف انسانية في قصر مملكة نارنيا في رائعة سي. اس لويس " الاسد، الساحرة وخزانة الملابس". في ذلك المشهد تجمدت الشخصيات بفعل قوة الساحرة البيضاء الشريرة التي لعنت المملكة، فأصبح الشتاء شديدَ البرد وكثيف الثلج مستمراً دون توقف، لكن هيهات ان يأتي عيد الميلاد في ليل الشتاء القارص الطويل. مثلها جَعَلَنا فيروس الكورونا نتوقف ونتجمد في مكاننا لوِقفة تأمل ومراجعة النفس. فيها تيّقنّا اننا أهملنا المهم المتمثل بالعلاقة مع الخالق، الحياة العائلية الغنيّة، وتفعيل المحبة بالعلاقة مع الآخرين والمحافظة على الموارد التي وهبها الله لنا. التوقف لبرهة للتأمل هو مصدر لمراجعة للنفس لكن ديمومة التوقف والجمود هي مصدر خمول وتقاعس وانحسار وانحصار وركود.
كانت الشائعة ان الاسد "اصلان" (وفي رمزية رواية لويس هو الرب يسوع) قد اخذ بالحراك وسيقوم بسحره قريبًا. فعلًا بدأ مفعول السحر وانقسمت المائدة الحجرية من وسطها وذاب الثلج عن الكائنات المتجمدة وعادت الحياة لتدبّ في عروقهم. قام الاسد الميت حيّاً يملأ زئيره عباب السماء ودحر مملكة الساحرة مثبتاً مملكته لأجل مستقبل يسود فيه السلام والمحبة بقيادة الاخوة الاربعة.
ان اصلان ، الاسد الغالب الخارج من سبط يهوذا، قادر اذا شاء ان يتحرك فيدبّ النشاط في خمول الحجِر والتقوقع والحظِر والجفاء، فنتخلص من الفيروس وما يخلفه من مرض ومضاعفاته وخسائره وحتى أنانيته ... لأجل غدٍ أفضل. هل يفعل ذلك؟