قال الشَّاعر أحمد شوقي: وإنَّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ . . . فإن هُمُ ذهبت أخلاقُهم ذهبوا. وقال الـمتنبـي: وما الحُسنُ في وجه الفتـى شرفاً له . . . إذا لم يكن في فعله والخلائق. لا شكَّ أنَّ الكثيـرين تحدثوا عن الأخلاق ونعيشُ في أيامنا أزماتٍ أخلاقيةً إذ انقلبت الـموازينُ وصار الباطلُ حقاً. فهل يحتاج الـمجتمعُ إلى الأخلاق؟ هل نستطيع أن نقررَ الصوابَ ونفصله عن الضَّلال؟ هل نطلب العدلَ ونرفض الظلمَ أم أنَّ القيمَ الأخلاقية غيـرُ مهمةٍ؟ يهدفُ هذا الـمقال القصيـر إلى الدفاعِ عن أهمية الأخلاق وليس بالضرورة الخوض في تحديد الأخلاقيات الصَّحيحة.
ونعيش اليوم في عالمٍ شدَّد على الـمادية والعلوم الطَّبيعية وجعل الكثيـرون من الطّبِ والبيولوجيا والكيمياء والفيـزياء وسيلة خلاص البشر. لا أُنكرُ أهميةَ العلوم الطَّبيعية بأنواعها الـمختلفة إلا أنَّنا لا نستطيعُ، حتَّـى وإن حاولَ البعضُ، أن نختـزلَ البشريةَ بماديةٍ تُقزّم أهميةَ العلوم الاجتماعية والدّينية. ولهذا اسألُ: ما أهمية الأخلاق في حياتنا؟ وسأقدِّم أربعةَ نقاط أشرح فيها أهمية الأخلاق من منظوري.
أولاً، الأخلاقُ ضروريةٌ لتحديد رؤيا واضـحة عن الإنسان الصَّالح. فهل هذا الإنسان هو صاحبُ الأموال الكثيـرة أو الشَّهادات الكبيـرة أو اللياقة البدنية العظيمة أو الجمال المميـّز أو غيـر ذلك؟ وفي الفكر المسيحي الله هو مصدر الصلاح، والأخلاق الحميدة هي فضائلٌ نتجت بسبب اتحاد المؤمن بالله وبسبب تبعيته للمسيح وسكنى الروح القدس فيه. والرذائل هي نتيجة الابتعاد عن الله والاستسلام للنشاط الشيطاني وشهوات الجسد. بإيجاز، لقد ارتبط الصَّلاح بحق بالأخلاق الحميدة وصارت الأخلاق دربَ النجاح الفردي والـمجتمعي والإيماني. فهـي دربُ النَّجاح للزواج والأبوة والأمومة والمواطنة والعمل وغيـر ذلك. فالإنسان الذي يفتقر إلى الأخلاق الحميدة فاشل حتَّـى ولو حصل على أسمى الألقاب والرُّتب. فحتَّى رئيس الحكومة يفقدُ القدرة على القيادة عندما تنهار أخلاقُه. ويتحوّل العظيمُ إلى فاشلٍ والجميلُ إلى قبيح والـمتعلم إلى جاهلٍ عندما تُغادر الأخلاقُ. الأخلاقُ ضروريةٌ لهويتنا الإنسانية وبدونها نصبح وحوشاً.
ثانيا، الاخلاقُ دربُ بناء مجتمعٍ ناجحٍ. فإن انتشرَ الكذبُ والزنى والغش والرَّشوة فإنَّ الـمجتمعَ ينهار. أما إن انتشر الصّدقُ والاجتهادُ والحبُّ والتَّضحيةُ فإنَّ الـمجتمعَ ينهضُ. وانـهيارُ البُنيةِ الأخلاقيةِ لـمجتمعٍ ما قد تقودُ النَّاسَ إلى الحربِ والدَّمار واغتصاب النّساء والأطفال وسلب الفقيـر وغير ذلك. هذه هي الكارثةُ بعينها.
ثالثاً، الأخلاق مهمة لتمكين الإنسان في أخذ القرارات الصّائبة أمام الـمهام اليومية في العمل والشَّارع وفي كل مكان آخر. فكلُّ إنسان يتعرّضُ يومياً لقراراتٍ أخلاقيةٍ سواءً أكان في السّواقة أو التَّعامل مع الأهل أو الحديث بالهاتف أو غير ذلك. ويحتاج الإنسانُ أن يقرر أيكون لطيفاً أم وقحاً؟ أيكون صادقاً أم كاذباً؟ أيكون أنانياً أم محباً؟
رابعاً، الأخلاقُ ضروريةٌ اليوم في عالم تشوشت فيه القيمُ وبرزت فيه العديدُ من القضايا الشائكة مثل الاستنساخ وزرع الأجنة والإجهاض وزواج الـمثليين وعلاقة القانون بالدّين وغير ذلك.
في ضوء أهمية الأخلاق نحتاج أن نسأل أنفسنا عن الـمرجعية الأخلاقية السَّليمة. فقد يكون القانونُ أو التَّقليدُ أو الصِّـحةُ مرجعاً أخلاقياً. وتتنافس الـمراجعُ الأخلاقية وتتعدد في منظورها الأخلاقي. ومهما كانت مراجعنا الأخلاقية يجب ألا نستخف أو نستهيـن بمساهمة الأديان في طرح مرجعية أخلاقية مجتمعية ساهمت عبـر التَّاريخ في خدمة البشرية. وبالنسبة للمسيحية فإن المرجعية الأخلاقية الأسمى هي الله. ولقد أعلن الله نفسه في الـمسيح وفي الأسفار المقدسة ومن خلال الكنيسة. تحوي هذه الأسفار مفهوم الصَّلاح والـمجتمع الصالح وتحدد الفضائل والرذائل وتصف لنا طريق الاتحاد بالله كليّ الصَّلاح والقداسة.