نسمع الكثير من الأخبار عن السلام الزائف الذي يخلو من العدل. ونسمع عن العنف والقتل في سبيل العدل السياسي. ونسمع مواقف اللامبالاة التي ترفض نقل نور المسيح إلى شموع السياسة المنطفئة. وتكثر الفتاوي ويضيع العدل بين حانا ومانا. نعم "حانا ومانا" فهذه قصة الرجل الذي تزوج حانا الصبية ومانا بنت الخمسين عاما. فقصفت حانا شعر لحيته الأبيض ونتفت مانا شعر لحيته الأسود فخسر لحيته. وهكذا ضاع العدل بين الفريق الذي يطلب العدل السياسي بالقتل والعنف والفريق الذي يطلب السلام دون العدل. ولم تهتم كنائس كثير بدعوتها أن تشعل بنور المسيح الشموع السياسية المنطفئة. فضاع الإنسان.
في ضوء هذه الأفكار أنظر إلى متى 12: 15 – 21 بطريقة جديدة ومختلفة. فسأقدم ترجمتي العامية للنص اليوناني وهي كما يلي:
(15) فهم يسوع المؤامرة فترك المكان بس كثير من الناس صارو من أتباعو وشفا كل مرضاهن. (16) ووصاهن ما يخبروش الناس عنو (17) حتى تتحقق كلمات النبي أشعيا اللي قال: (18) هذا هو الشب اللي اخترتو وحبيبي اللي قلبي راضي عليه. بعطيه روحي وبيعلن العدل للأمم (19) بتغاوشش وبصيحش وبتسمعلوش حس في الشوارع (20) بتهجمش على الإنسان المهدود حيلو وبدعسش على الإنسان المطفي وهيك بيبقى لحد ما العدل ينتصر. (21) وهو رجاء الأمم.
أعجبني طرح الكتاب المقدس في متى إذ يتمسك بالعدل بواسطة رعاية وخدمة البشر المهدودين والمُداس عليهم. فيعتني بالذين على حفة الهاوية ويمنح البائسين رجاء الخلاص. هذا الخلاص الإلهي هو العدل ضمن الإرسالية الإلهية إذ يأتي ربنا يسوع المسيح ليحقق خطة الله وقدوم ملكوت المحبة والسلام والعدل. ولا يُفرض العدل بالقتل والنهب وقهر الضعيف بل يسود بالحب والرعاية التي تنبع من قلب الآب من خلال الابن وبقوة الروح القدس. وليس هدفي الحديث عن روحانية غير ملموسة في جدران الأديرة بل عن روحانية تخرج إلى شوارع بلادنا بصوت خافت وقوة السماء وبنور شمعة تحتضن نور شموس المجرات. وبقوة الحق وتصميم الصليب ورجاء القيامة. فهكذا يكون العدل الذي يرفض البغض ولا يقبل المساومة على الحق. هذا هو طريق المسيح. المسيح ينبوع العدل الإلهي الذي يملئنا بالحب والرجاء والحق. نحب السلام الحقيقي ونسعى إلى سلام شمولي بين الإنسان والله وبين الإنسان وباقي البشر.
أخيراً، أيها الأحباء: نسمع اليوم عن سلام بين الدول ولكننا لا نرى السلام بين الشعوب. ونسمع عن اتفاقيات سلام ولكن يكثر الظلم. ونسمع عن عدل نسبي يُبرر سلب الأرض وقتل الإنسان. فأين العدل؟ ونسمع عن عدل قومي بدلا من العدل الشمولي. فصار العدل والسلام من نصيب القوي فما مصير الضعيف؟ ومن يحامي عنه؟ إن طريق المسيح وكنيسته هو طريق الدفاع عن العدل الشمولي الذي يحب الظالم رغم ظلمه ويحمي الضعيف رغم المخسر. ويسعى إلى الحق بحذاء القداسة ويبحر في البحار الهائجة بقارب العطف والتروي. كم يحتاج عالمنا إلى نور الكنيسة لنضيء شموع السياسة المنطفئة وننير درب الشعوب بحب الآخر وبعيش يخلو من الأنانية القومية وتبريرات الظلم باسم الله والمنطق والواقع والظروف وغير ذلك. فلنذهب إلى المسيح لنتعلم العدل ولنذهب إلى العالم لنقدم المسيح العادل.