كان منير حبيبي احد قادة الكنائس المحلية التي اسسها روي ويتمان في شمال فلسطين. في عام 1939، انتقل منير بحكم عمله من الناصرة إلى حيفا التي كان فيها عدد كبير من معارفه وأقربائه. فتعجّب هؤلاء من التغيير الكبير الذي لاحظوه في حياته وحياة زوجته. حاروا في الأمر ولم يجدوا لذلك تفسيرًا. إذ كانوا يعرفون منيرًا إنسانًا متكبرًا، ولا يقيم وزنًا لأمور الدين، ولا يكترث للصلاة. وهالهم ما سمعوه عنه من أنه سيطبّق وصية المسيح القائلة: "بع كل مالك ووزّع على الفقراء... وتعال اتبعني."
وشيئًا فشيئًا تبدّل رأي الناس فيه وفي عائلته، إذ قد تركا أثرًا روحيًا عميقًا في الأقارب والمعارف، منهم وديع أبو رحمة وعائلته، ونخلة حبيبي وأخته وديعة حبيبي- مسلّم (مدام مسلّم) وسامي أبو حمد وعفاف أبو حمد، وغيرهم.
ارتبطت هذه الخدمة التبشيرية في بدايتها بالكنيسة الأنجليكانية، إذ كان منير حبيبي ينحدر من عائلة أنجليكانية، وكانت كنيسة مار يوحنا تشجّع الاجتماعات التبشيرية التي تعقد في البيوت، وتدعو الوعاظ الضيوف للتكلم فيها. كان منير يتكلم في الاجتماعات البيتية ويعلن في كل مرة: "نحن لسنا طائفة جديدة، بل أفرادًا من مختلف الطوائف، نجتمع لنسمع كلمة الله. ولا هدف لنا إلا أن يعرف الإنسان طريق الخلاص فيخلص. ليس بيننا أصحاب نفوذ لإيجاد عمل لمن يحتاج إلى عمل. كلنا عمال أو موظفون، نُحصِّل رزقنا بجهدنا ونتعاون في أوقات فراغنا على خدمة الله."
وإضافةً إلى خدمته في حيفا، كان منير يقوم باجتماعات تبشيرية في عكا، وهناك ربح وديع سلوم الذي أتى ليسكن في تلك المدينة. كان وديع سلّوم رئيسًا لعصابة وكان يدخن 60 سيجارة في اليوم ويشرب المشروبات الروحية بكثرة. تجددت زوجته وردة أولًا، وكانت تصلي لزوجها لكي تتغيّر حياته إلى أن سلّم حياته للمسيح. وعلى إثر ذلك، آمن العديد من أترابه، ومنهم الياس اللاتي.
كانت الاجتماعات في بداية الأمر تعقد في بيت عائلة يوسف أبو حمد، وكان الإقبال عليها كبيرًا، فبادرت سيدة اسمها أم الياس إلى فتح بيتها في وادي النسناس لاجتماع إضافيّ. وفي عام 1941، جاء القسّ روي وتمن من عمان وتكلّم في بيت أم الياس في اجتماعات ليلية دامت اسبوعًا كاملًا. وفي هذا الأسبوع تأثر شابٌّ أردنيّ اسمه جميل ابنيّة المحيسن بكلام الوعظ، وتقوّى في الإيمان، إذ كان قد حصل على اختبار الخلاص من قبل بوساطة بعض الأصدقاء. وفي ذلك الاجتماع عينه، تاب شاب اسمه سامي عودة من الناصرة، وكان زميلًا لوديع سلوم والياس اللاتي، فصمّم أن يتبع المسيح، وتغيّرت حياته وصار يشهد للمسيح بعد أن كان سِكّيرًا شرسًا.
وفي عام 1942، زاد عدد القادمين إلى الاجتماعَين البيتيين وعقدوا العزم على تأسيس كنيسة خاصة بهم لها مقرّها الخاص، الذي كان مبنًى قديمًا مؤلفًا من طابق أرضي تحيط به حديقة صغيرة، ويتألف من أربع غرف تتوسطها قاعة كبيرة. ففكّر المؤمنون باستئجاره من صاحبة المُلك، وهي سيدة يونانية تدير مقهى. رفضت تلك السيدة تأجير المبنى كونه غير صالح ومحتاجًا إلى ترميم، لكنها عادت فقبلت تأجيره على أن يقوموا بترميمه.
وهكذا باشر المؤمنون العمل. فبدّلوا زجاج البيت المكسور، وبلاطه المشوّه، ودهنوا جدرانه وأبوابه ونوافذه، وأدخلوا إليه الماء والكهرباء، ورتبوا الحديقة والمدخل. ثم صنعوا مقاعد جديدة، واشتروا قطع أثاث أخرى، منها أسرّة وأوان منزلية لتجهيز غرفة لاستقبال الضيوف.
وصارت تعقد في هذا المبنى القديم الجديد كل الاجتماعات، بما في ذلك اجتماع للعبادة صباح كل أحد. ومن المثير للاهتمام أن ذلك اسم الشارع الذي يقع فيه المبنى كان "المخلّص"، ورقم المبنى 16. وصار هذا عنوانًا للكنسية المحلية في حيفا لمدة طويلة.
ففي شارع "المخلّص" رقم 16 وجد كثيرون المُخلّص وازداد عدد المؤمنين، وأُسِّست مدرسة أحد ناجحة ونامية.
مع احتلال حيفا في عام 1948، توقفت الاجتماعات في شارع المخلّص، إذ تحول كل أعضاء الكنيسة إلى لاجئين في الدول العربية المجاورة، ما عدا شخص واحد هو وديع سلوم (أبو حنا) الذي بقي في حيفا ليواصل قيادة اجتماعات بيتية كل يوم ثلاثاء في بيته في شارع حداد 6، وقد استمرت تلك الاجتماعات حتى الثمانينيات.
أما في ما يتعلق بشارع المخلّص، فقد قررت بلدية حيفا بعد قيام دولة إسرائيل تغيير اسمه إلى شارع ي. لامد بيرتس، رغم بقاء قسم من المسيحيين في حيفا يسكنون فيه، ورغم قربه من كنيسة قديمة تابعة لطائفة الروم الكاثوليك، وطالب المطران حكيم، مطران الروم الملكيين الكاثوليك بالإبقاء على اسم "المخلّص"، في رسالة يعود تاريخها إلى 5-2-1953، إلا أن البلدية أصرّت على عبرنة الاسم. ولكن رغم ذلك، فقد ظلّ أهل حيفا يطلقون اسم المُخلِّص على الشارع المذكور حتى اليوم.
ولم تنطفئ شهادة شارع المخلص. في عام 1986 أُسِّست في نفس الشارع كنيسة إنجيلية جديدة في مبنى الكنيسة المهجورة والتي كانت سابقا كنيسة المخلص للروم الكاثوليك. وقد تبرع بالبناية الاب باسيليوس خوري من حيفا اصلا ومن كهنة دير المخلص للروم الكاثوليك قرب صيدا، وجعلها المطران حجار كنيسة في النصف الثاني من الثلاثينيات من القرن الماضي، ثم في ايام المطران حكيم تم بيعها الى المحامي جميل شلهوب الذي باع العمارة في عام 1986 الى كنيسة "جماعات الله" بواسطة المُرسل روس بايرز، التي قامت بدورها بتحديثها وتحويلها الى كنيسة خاصّة بهم، يرعاها إلى يومنا هذا القسّ ادوار طنّوس.
هذا مقطع من كتاب " تاريخ الكنائس المعمدانية في الأراضي المقدسة 1867-1950 الجزء الأول - تأليف: بدر منصور