أحب أن نتأمل معا في مثل الزارع الذي رواه السيد المسيح (متى 13: 1 – 9). ترجمت المثل من المخطوطات اليونانية إلى اللغة الفلسطينية العامية المعاصرة بهدف توضيح المثل. سأقدم الترجمة ثم سأعلق على بعض القضايا فيه.
(1) وفي نفس اليوم طلع يسوع من البيت وراح يعلم عند بحيرة طبريا (2) وتجمعو ناس كثير حوليه فطلع وقعد في قارب عشان يعلّم وكانت الناس واقفة على الشط (3) وعلمهن كثير أشياء بالأمثال فقلهن: مرة طلع الـمزارع ليزرع الحبوب (4) فلما كان يرمي الحبوب سقط شوي منها على الطريق وأجت الطيور وبلعتها (5) وسقطت حبوب على حجار عليها شوية تراب وشرشت بسرعة بس فش تراب كفاية (6) فلما طلعت الشمس انحرقت النبتة وذبلت لأنو شروشها مش غميقه (7) وفي حبوب وقعت على أرض الشوك فلما طلع الشوك خنقها (8) بس في حبوب سقطت على الأرض المنيحة واثمرت إشي 100 وإشي 60 وإشي 30 ضعف. (9) اسمعو منيح وانتبهو لشو بقولكو.
أراد يسوع أن يعلم الشعب عن ملكوت الله فتحدث عن الحبوب المقتولة. تعددت الوسائل ولكن النتيجة واحدة. لقد وصلت كلمة الله إلى الكثير من الناس. ورغم أن الكلمة لم تتغير إلا أن قلوب البشر مختلفة ومتنوعة كاختلاف التربة التي يتحدث عنها المسيح. فنوع التربة يحدد مصير الكلمة في حياة الإنسان.
أولا، لقد جاءت كلمة الله إلى بشر قلوبهم قاسية ومتصلبة مثل تراب الطريق الذي يصعب اختراقه. رفضوا احتضان الكلمة في قلوبهم وأبقوا الله خارج حدودهم. قرعت البركة الإلهية على أبوابهم واقتربت منهم وتلاصقت بهم ولكنهم بتشددهم وتصلبهم وتخشب أذهانهم لم يستقبلوا طريق الحياة. فصاروا عُرضة لعمل الشيطان. وزارتهم الشياطين كطيور جائعة تلتهم كل فرصة للحياة. نهايتهم مأساوية إذ اختفت البركة الإلهية من حضرتهم.
ثانيا، جاءت كلمة الله إلى بشر يفتقرون إلى العمق. جاءت الكلمة إلى أرض تربتها سطحية. السطحية الروحية قد تستقبل الكلمة وربما تُظهر بعض النمو ولكنها لا تعطي ثمرا حقيقيا. ويجب ألا يخدعنا النمو السريع الذي لم يواجه التحديات ويقدم الثمار السليمة. وعندما تُختبر السطحية بتحديات خارجية تنكشف المشكلة. فالتربة غير عميقة والجذور قصيرة. ويوجد عراقيل كثيرة داخل التربة فهي مليئة بالحجارة. إن الروحانية غير المختبرة وغير المثمرة روحانية سطحية فمن لا يستطيع أن يواجه الشمس الحارقة سيحترق من الجذور.
ثالثا، جاءت كلمة الله إلى بشر يحتضنون بذارٍ شوكية. لم تكن الأشواك نابتة ولكنها راكدة في القلب. إن شرور القلب كثيرة وليست جميعها ظاهرة فقد تكون مثل الذئب الذي ينتظر الفرصة ليفترس الفريسة. كم من قديس صلى قائلا: اختبرني يا الله واعرف قلبي! وكم من إنسان قال: القلب نجيس ومن يعرفه؟ إن الأشواك الكامنة في القلب هي مخاوف وقلق وهموم واهتمامات ليست من الله. تتنافس هذه الاهتمامات مع إرادة الله وتجلب الموت للقرارات التي تُسبب الحياة. وتتقدم خطوة تلو الأخرى لتقتل كل خير وكل خطوة تُرضي الله فتكون النتيجة الموت البطيء والاختناق الروحي.
للأسف، مصير كل الحبوب أعلاه هو النهاية التعيسة. ماتت كل هذه الحبوب إما بسبب الطيور أو الشمس أو الأشواك. ولا بديل عن تقديم قلوبنا لله لينظف وينقي القلب. فبدون قلوب نظيفة ستثمر حياتنا الموت. والقلب هو أثمن ما نملك إنه حياتنا. ولكن من يقدم قلبه لله سيرى ثمر الملكوت والحياة المثمرة. فتتزين الحياة بالخلاص والمحبة والفرح والسلام الإلهي ويثمر الإنسان بتنمية القناعات العميقة والنضوج الصحي والثمر المفيد للزارع ولشعبه. نقف في هذا الزمان كما في كل زمان أمام قرار مهم: كيف نتجاوب مع كلمة الله؟ أنتجاوب بالإيمان والطاعة أم بالرفض والسطحية والمساومة؟