نشر القس الدكتور حنا كتناشو مقالاً محفزاً للتأمل والدراسة يطرح فيه أسئلة جوهرية بخصوص التضارب بين أنظمة الحكومة التي تمنع التجمهر وبضمن ذلك منع اجتماع المؤمنين –وبين دعوة الرب لكنيسته للقيام بذلك. http://www.comeandsee.com/ar/post/2992694
سأتناول بعض الجوانب لهذه المعضلة عسى أساهم في هذا النقاش ذي الجوانب المختلفة.
من جهة يطلب الرب من كنيسته الا تترك اجتماعها (عبرانيين 10:25). من الجهة الثانية، وضع الرب سلطات لكي ترتب ظروف الحياة المدنية في الدولة وطالبنا ان نخضع لها (بكلمات رومية 13: 1 "السلاطين الفائقة"). وقد طرحت عشرة أسئلة، في مقال سابق ( http://www.comeandsee.com/ar/post/2808322)، لتحديد هوية هذه السلاطين الفائقة من جهة ولكيفية الخضوع من جهة أخرى.
لكي نوضح صعوبة الاحتكاك بين الوصيتين- اشدد ان الهدف من وراء وضع الحكومات هو أن نحيا حياة هادئة (1 تي 2:2) وأيضًا ان الحكومات هي "خادم الله للصلاح" (1 بط 2: 4). المنطق من ورائها هو: طبيعة الانسان أنانية تحتاج لتنظيم. لذلك وضع الله الحكومات حتّى تنظم الحياة وتحمي الانسان من نفسه. فقوانين السير تمنع المواطن من التهور في السواقة وايذاء نفسه وغيره. التحذيرات لمنع التدخين او منع تعاطي المخدرات جاءت لتحمي الانسان من إيذاء نفسه. حتى الانتحار اعتُبِر مخالفة جنائية (طبعاً إذا فشل مرتكبها في إتمام هدفه) في قوانين بلادنا (اسوة بالقانون الإنجليزي)، لكنها ابطلت لاحقاً. وكل ذلك على الرغم من اننا وللوهلة الأولى نعتبر توقيف الانسان لحياته، حق طبيعي لمن يحاول ان ينتحر. بقرار الحكومة في كل انحاء العالم منع التجمهر هي تسعى لتمنع الانسان من الاصابة بعدوى فيروس الكورونا ولتحميه من المرض. لكن الثمن لا يتلخص فقط بتدهور الاقتصاد وانما ايضاً بتحديد او منع العبادة، وهو موضوع مقالنا.
هناك سؤال يسبق البحث ان كان اللقاء التزامني الافتراضي بواسطة تطبيقات الزوم او الفيسبوك لايف كافٍ لكي تعتبِر الكنيسة نفسها قد اتمّت وصية الرب لها بالاجتماع للعبادة. والسؤال هو- هل رافق الاجتماعات التزامنية عمل ابداعي لتفعيل الخدمة باستخدام وسائل الكترونية ورعاية واهتمام مكثفين لرفع النفوس، مرافقتها والتأكد من صحتها الروحية رغم امتناع إمكانية اللقاء؟
بعد اجابتنا الصادقة على هذا السؤال نتساءل -هل يتعلق جوابنا بخصوص استيفاء اللقاء الافتراضي لمتطلبات الرب، طول الفترة. بكلمات أخرى- هل مدى كون هذا البديل الافتراضي بديلا مناسباً فعلا يتعلق بطول الفترة التي فرض على الكنيسة وتوقفت فعالياتها وخدماتها المباشرة؟ وإذا وجدنا ان هذه الفعاليات التزامنية الافتراضية (مباشرة بعد فرضها او بعد تراكمها لفترة طويلة) لا ترتقي لدرجة تطبيق وصية الرب بعبادة شعبه- فهل يتوجب ان نتمرد على وصية الحاكم- بمثابة انه ينبغي ان يطاع الله أكثر من الناس؟
ان حرية العبادة للمؤمن هي أقدس الحريّات. تقييدها – ولو من باب "حماية" المواطن ودون نيّة مبطنة لكبتها- هي اجراء قاسٍ. فحرية الضمير المتمثلة بحرية المؤمن ان يصلي ويجتمع مع اخوته ويرنم في عبادة جمهورية هو عنصر أساسي في ايمانه. هل يتوجب قبول تقييده نظراً لوجود "بدائل" الكترونية افتراضية؟ ام ان نتيجة الصحة الروحية المتدنية في بعض الأماكن بسبب منع التجمهر، هي التي يجب ان تكون المفتاح لنا لتقبل التقييد وقبول هذا "البديل"؟ بما اننا نسير في هذا الامر في ارض غريبة فانه لربما يتوجب إعادة التقييم اليوم الى اين اوصلتنا التقييدات من حيث صحة الكنيسة وشعب الرب.
هل بالإمكان مقارنة حرية العبادة الجمهورية مع حق التظاهر الذي ثارت الجماهير المناهضة للحكومة لمجرد تقييده؟ ام ان التظاهر يشمل جانب استعراضي للضغط على من يتظاهرون ضده وايضاً يجد له تعبيراً في وسائل الاعلام التي تغطي المظاهرة، بينما المؤمنين يقدمون عبادتهم امام الله الذي يسمع ويقبل دون ضرورة لقاء العابدين وجهاً لوجه مع بعضهم البعض؟
ان عناصر العبادة كما اقرت في اعمال الرسل هي تعليم الرسل، والشركة، وكسر الخبز، والصّلوات (اعمال 2: 42). هل يمكن تفعيل هذه العناصر بالتطبيقات الافتراضية؟ نظرياً – نعم. فعلياً- ليس بشكل كامل.
اعتبر الانجيليون الأماكن المقدسة مجرد مواقع اعتيادية حددها البشر بهذا الاسم وهي ليست مقدسة في اعين الرب من أماكن أخرى حقيقة. اعتمد الانجيليون ،فيما اعتمدوا، على حوار الرب مع المرأة السامرية- حين سألته عن أي مكان هو المقدس (اورشليم ام "هذا الجبل")؟ اتكل الانجيليون على قول الرب: "ولكن تأتي ساعة، وهي الان، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للاب بالروح والحق، لان الاب طالب مثل هؤلاء الساجدين له. الله روح. والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا" (يوحنا 4: 23- 24). هل يتوجب الاستنباط من ذات المنطق ان أماكن العبادة بحد ذاتها ليست هامة ويمكن الاجتماع افتراضياً لأجل القيام بعناصر العبادة الجمهورية معاً.
من جهة أخرى- العبادة عن بُعد بين المؤمنين بواسطة التطبيقات تمس بجوهرها. فالإنسان هو نفس روح وجسد. والوجود الفعلي في مكان العبادة مع مؤمنين آخرين يفعّل كينونة الانسان العابد. فهو يلتقي وجهاً لوجه مع اعضاء جسد المسيح ويصلي معهم ويرفع صوته بالتسبيح وليس من وراء شاشة صغيرة. ويستطيع المؤمن ان يرى اخوته المؤمنين عن كثب وقرب ليقرأ حركة جسدهم وليرى تعابير وجوههم وليس مجرد تبادل كلمات ناشفة من وراء الشاشات. ان ضرورة اللقاء الفعلي لها تأثير على نوعية العبادة وعلى قدرة الانسان المؤمن الاندماج بالقلب والفكر مع اخوته في كنيسة الرب.
هل اخطانا حين قبلنا بخنوع ودون تحديد للوقت أنظمة الحكومات المقيّدة للعبادة وبذلك مسسنا بالصحة الروحية لكنائسنا بحيث سيصعب ترميمها بعد رفع التقييدات بإيجاد المصل المضاد للفيروس؟ لا اعلم.