طالما ما أربكنا وأرعبنا خبر الموت... موتُ أيًا كان... وكلما كان الشخص الميت أقرب إلينا، كلما زادت لوعة الخبر وهول الصدمة علينا... حتى عندما نكون نتوقعه وننتظره!
باعتباري شخص فقد أعزاء مقرَّبين جدًا على قلبه - شأني كشأن الكثيرين - أسمح لنفسي أن أقول هنا:
صديقي... لا تتمسك بأحد مهما علا شأنه في نظرك وزاد غلاه في قلبك!
قد يعتقد البعض بأن هذه العبارة قاسية بعض الشي وخيالية! ولكني أؤكد لك بأنها ليست كذلك... فهنالك فرق كبير ما بين أن تسمح لنفسك تُحب أحدهم حدّ الجنون، وما بين تعلُّقك بهذا الشخص.
المحبة... هي بركة ونعمة وحتى أنها موهبة ربّانية في كثير من الأحيان.. المحبة ممدوحة ومطلوبة دومًا. بينما التعلُّق هو قصّة أخرى مختلفة في كل تفاصيلها...
فالتعلق عبارة عن نوع من أنواع العبودية... عندما تتعلق نفسك بأحدهم، ستسمح له دون يقين بأن يقيد مشاعرك وأفكارك ومعظم تحرّكاتك... وحتى أحلامك ومخطّطاتك! لذلك، لا تفعل!
تعلقك بأحدهم هو وهم يوحيك بأنك مسيطر على الوضع وأنك بأمان نفسي، وبأنك تمتلك هذا الغرض أو هذا الشخص الذي سيبقى يبث الطمأنينة والسلام في نفسك...! وخسارة الأشياء في حياتنا ما هي إلاّ معركة دامية تستنزف كل ما فينا من جمال وحياة حتى الرمق الأخير، حتى نذبل... ثم ننطفئ... فنسير في ذي الحياة منحنين!
ولطالما كانت أعظم خسائرنا في هذه الحياة هو فقدان عزيز وغالٍ!
ولكن عندما ندرك هذه الحقيقة سنعي بأننا لا يمكن أن نفقد شيئًا لم نملكه من الأصل! فالرب هو وحده من يُعطي وبالتالي، من حقه وشأنه وحده أن يأخذ ويسترد ما له!!
إن الموت ليس بزائر خفيف الظل ابدًا، هو لص يباغتنا عندما لا نتوقعه.. فهو يسرق وينهب بنهم وقسوة ويأخذ معه كل ما استثمرناه وتعبنا من أجله، ويختفي!!! ببساطة يسحب من تحت أقدامنا بساط الأمان الذي تعلقنا به وحسبناه ملكًا لنا.. وكثيرًا ما يسلبنا أبسط الحقوق في الوداع فيزيد اللوعة والألم... ليعود من جديد بعد برهة ليفعل الشيء ذاته فينا.. فيتركنا صرعى نلملم خسائرنا كل مرة بوجع واستسلام...
للحقيقة، اقول لك بأنك سرعان ما ستتفاجأ من نفسك ومن جبروتك عندما تسمح لنفسك بقبول التحديات وتبنِّي هذه المخاوف... حتى أكبرها... شبح الموت!
لقد اعتدنا أن نقول للطفل عندما يرى كلبا شرسًا او مشهدًا مريعًا أمامه ويصرخ مذعورًا مستنجدًا بنا، وفي محاولة منا لتهدئته: "لا تخف يا صغير!"
ولكنني اليوم أقول لك: عليك أن تبدأ باستبدال هذه العبارة المليئة بالضعف والاستسلام، بعبارة أخرى منتصرة على الدوام: "معلش يا بطل، إقبل ان تخاف... واجه أشباحك كلها حتى لا يتبقى ضعف قادر على كسرك!"
لكي تقدر أن تعلن بغلبة: أين شوكتك يا موت!!!؟ يتوجّب عليك بداية أن تقم وتنفض عنك غبار الهزيمة السابقة... قم رافضًا الاستسلام.. ارفض الحزن، ارفض القيود الخيالية التي تربط نفسك بها جراء فقدان عزيز وغال...انهض واضرب الأرض بقدميك وانتفض، واقبل هذا الوجع.. اقبل الألم.. اقبل الخسارة... اقبل الفراق... اقبل كل تحدي.. افتح ذراعيك واحتويه...احتضنه بشدّة.. فقط عندما تقبله، ستهزمه... حتى لا يتبقى شيء أمامك يقدر ان يحنيك!
لقد وهبنا الله معه كل شيء، كل شيء... فأين غلبتك يا هاوية؟ إن كان الله معي، فمن يقدر ان يكون علي؟؟؟ "أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ..."
فإنه على جناحية يحملك، وفي خوافيه يظللك ويسترك.. كأسك ريًّا حتى في وادي ظل الموت... وإلى انقضاء الدهر وحتى لقياه في السماء..
نعم، لك الشرعية الكاملة والطبيعية امام كل تحدي ان تذعر، ان تسقط ارضًا وتسمح لكل ما فيك أن ينتحب... لك أن تعاتبه وأن تحاوره... وأن تصرخ وتثور وتبكي وتتألم... ولكن إيّاك والاستسلام لأن الورقة الرابحة معك وضعها الله قلادة حول رقبتك عندما قام منصرًا... قلادة ابن الملك.. فاين شوكتك يا موت؟!