يلتقي هذا العام الفاتح من نيسان- يوم كذبة اول نيسان الشهير بخميس الاسرار وغسل الارجل للمحتفلين بعيد الفصح بحسب التقويم الغربي.
ويعتبرها المراقب بمثابة نكتة او مهزلة كونية سمحت بالتقاء الحدثين في يوم واحد او على الاقل مجرد مفارقة طريفة.
ويأتي يوم "كذبة اول نيسان" اصلا في عالم يعج بالأخبار المزيّفة الرائجة والكذب "عينك عينك" يمنة ويسرى وفي كل مناحي الحياة. فيوم الاول من نيسان هو يوم شُرّع فيه الكذب من نوع معين فقط، لكن واقعنا اليومي يفيض بالكذب على اشكاله وانواعه. الاول من نيسان يكرّس ليوم واحد الاكاذيب بمفهوم "المقالب". فهو يسمى بالانجليزية Fools’ Day بمعنى يوم المغفلين اي من يتم استهبالهم او استغفالهم بخبر لا يمت للواقع بصلة، وجعلهم يصدّقون اكذوبة غير مؤذية، كما يراها البعض. اما الكذب باقي ايام السنة فيطلقه الناس لغايات الوصول لمآرب ومصالح وللتستر على ضعف او اثم. انه تصوير يومي للحقيقة بعكس ما هي. هي خلط للاوراق وتمويه وغش. لقد سمى الكتاب المقدس عدو الله الاول -ابليس- انه " كذاب وابو الكذاب" ( يوحنا 8: 44)، فهو المراوغ ومن يخدع النفوس بتصوير الخطية بأنها البر بذاته والمثابرة والتفنن في سبيل الكذب على الناس ليروا مظاهر القداسة وكأنها خاطئة. اما يسوع فهو الحق بعينه اذ ليس فيه اعوجاج وهو حق يمتد من الازل الى الابد . وهو ليس مجرد قائل للصدق حتما في كل حين، لكنه هو نفسه "الحق". ليس فيه ظلمة ولا كذب ولا افتراء ولا غش ولا حتى مقلب للمغفلين في نيسان.
بالمقابل- جمع يسوع تلاميذه في ليلة الفصح اليهودي للعشاء التقليدي (وهذا العام صادف ذكرى هذا العشاء عند اليهود بضعة ايام فقط قبلها). جمعهم يسوع للعشاء الاخير وفيه يلقنهم درسا عظيما.
نعيش هذا اليوم الذكرى التي فيها اتزر يسوع بمنشفة وصبّ ماء في مغسل وغسل ارجل تلاميذه، كل تلاميذه، قبل العشاء! الرب الاله بنفسه - خالق كل الاشياء بكلمة قدرته- يغسل ارجل قذرة لمجموعة تلاميذ جليلين بسطاء. وليس هذا فحسب، بل انه لم يَعبُرعن يهوذا الاسخريوطي الخائن الذي سيسلمه، ويسوع طبعا يعلم ذلك مسبقا.
ان كان الاول من نيسان يوم كذب للمغفلين، فانه بنفس الوقت هذا العام يوم درس حق هائل للخدمة والتواضع.
وحين قصّ الانجيل هذه الواقعة التي حدثت في عليّة صهيون فقد شدد ان يسوع "عالم ان الاب قد دفع كل شيء الى يديه، وانه من عند الله خرج، والى الله يمضي". بكلمات اخرى- قام يسوع بغسل الارجل، وهو على علم ووعي تام بسلطانه وقوته ومكانته كرب واله. يا له من تواضع وانكسار!
يشترك كثير من المسيحيين في هذا اليوم بفعل رمزي من إعادة غسل الارجل تذكارا لما عمله الرب في خميس الاسرار. يا ليته لا يكون فعل طقسي سنوي فحسب ويُغفل عنه باقي أيام السنة بل ممارسة تصف طبيعة حياتنا المضحيّة كتلاميذ حق للرب.
وبعد ذلك يشترك التلاميذ مع يسوع في عشائهم الاخير معه. انها شركة حبيّة مع سيدهم الذي سيفارقهم باتجاه الصليب بعد قليل. وعلى العشاء يكشف لهم لهم يسوع بكلام حق اسرار الملكوت. وقد اصبح عشاء الرب مثالا للعشاء الرباني ( ويسميه البعض "المائدة") الذي يقوم به المسيحيون منذ ذلك الوقت- البعض اسبوعيا والبعض في فترات متباعدة اكثر.
ودون الغوص في التباين بين الطوائف المسيحية حول كونه رمزا او استحالة، لكن يمكن الاجمال باننا نشترك بتقديم تعبير عن موت الرب فيه. نتحد معه في عشائه ونشترك بالمكوّنات التي تشير لجسده المكسور ودمه المسفوك لاجلنا.
ان وقت العشاء الرباني الذي نعّيده اليوم هو لحظة حميمة مع معدّ العشاء ولا تكتمل دون صدق وحق في علاقة اعضاء جسد المسيح نفسه - كنيسته- بعضهم مع بعض.
ويا ليت ذكرى العشاء لا تكون طقسية ميكانيكية فحسب هي الاخرى، بل طريقة حياة تضع ذكرى الصليب امام اعينها كل وقت.
ما بين تعبير تواضع بغسل أرجل وعشاء حميمي مع رب الحق وبين كذب مغفلين يذكّرنا بالكذب المستشري اصلا في العالم- اختار طبعا الاول.